القبر الشريف في حدّ ذاته حراما مطلقا حتى يستقيم البرهان ، وهو ليس كذلك في سائر الأحوال ما لم يكن عن استخفاف ، وإنّما هو مناف للآداب التي ينبغي رعايتها في حال الصلاة وغيرها ، فهذه العلّة لا تصلح علّة إلّا للكراهة.
نعم ، لو أريد بالإمام إمام الجماعة بأن يكون المقصود بقوله عليهالسلام : «يجعله الأمام» أنّه ينزّله منزلة الإمام الذي يأتمّ به في الصلاة كي يكون قوله عليهالسلام : «ولا يجوز أن يصلّي بين يديه» بمنزلة التفريع عليه ، اتّجه إبقاء النهي على ظاهره من الحرمة.
ولكن إرادة هذا المعنى من قوله عليهالسلام : «يجعله الأمام» خلاف ما يتبادر منه ، بل غير مستقيم ؛ لأنّه إن أريد بتنزيله منزلة الإمام أن يفرض نفسه مؤتمّا به في صلاته ، فهذا المعنى على تقدير شرعيته غير معتبر في صحّة صلاة من صلّى خلف القبر بلا شبهة. وإن أريد به مجرد وجوب التأخّر عنه ولو من غير قصد التبعية والائتمام الفرضي ، فهو حينئذ بمنزلة التأكيد لقوله : «الصلاة خلفه» ولا يناسبه تعليل المنع عن التقدّم بأنّ المأموم لا يتقدّم على من يأتمّ به.
وقد يناقش أيضا في الاستدلال بالخبر المزبور : بأنّه ضعيف شاذّ مضطرب اللفظ (١) قيل في بيان وجه ضعف الخبر : ولعلّه لأنّ الشيخ رواه عن محمّد بن [ أحمد بن ] (٢) داود [ عن أبيه ] (٣) عن الحميري (٤) ولم يبيّن طريقه إليه ، ورواه في
__________________
(١) راجع : المعتبر ٢ : ١١٥.
(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من التهذيب وكشف اللثام وجواهر الكلام.
(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من التهذيب.
(٤) التهذيب ٢ : ٢٢٨ / ٨٩٨.