وكون متعلّق أحدهما تكليفا وجوبيّا والآخر استحبابيّا ممّا لا مدخليّة له بما يتبادر من هذه الصيغة بعد فرض كونه مستعملا في الإرشاد وبيان شرطيّة القيام والاستقبال ، فلو جاز حمله على إرادة شرط الكمال ولم يكن ذلك مخالفا لظاهر اللفظ ، لجاز في كليهما ، مع أنّا لا نلتزم به في الواجبات ، مدفوعة :
أوّلا : بالفرق بين الواجبات والمستحبّات ، فإنّ الأوامر والنواهي الشرعيّة الإرشاديّة ليست معرّاة عن الطلب ، وكيف لا! مع أنّه لو صدر من الشارع كلام صريح في الإرشاد ـ كما لو قال : استعمال الماء المسخّن يورث البرص ـ لكان ذلك مشوبا بالطلب ، ولذا يفهم منه الكراهة ، فضلا عمّا لو صدر منه الأمر بشي أو النهي عنه ، فقولنا : «إنّ الأوامر والنواهي المتعلّقة بكيفيّة العمل ظاهرها الإرشاد وبيان الحكم الوضعي» لا نعني بذلك ادّعاء كونها بمنزلة الأخبار معرّاة عن الطلب ، بل المقصود بذلك ادّعاء أنّ المتبادر من مثل هذه التكاليف كون متعلّقاتها معتبرة في ذلك العمل ، وكون التكليف المتعلّق بها مسبّبا عن ذلك ، لا عن كونها من حيث هي مقصودة بالطلب ، فإن كانت تلك التكاليف الغيريّة بصيغة الأمر أو النهي أو نحوهما ممّا كان ظاهره وجوب الفعل أو الترك ، تدلّ بظاهرها على كون متعلّقاتها معتبرة في قوام ذات المأموربه ؛ إذ لو لا كونها كذلك ، لقبح الإلزام بها. وإن عبّر عنها بلفظ «ينبغي» أو «لا ينبغي» أو «لا يصلح» أو نحو ذلك ، فإن بنينا على ظهور مثل هذه الألفاظ في الاستحباب ، فيفهم منه كون متعلّقه شرط الكمال. وإن قلنا بإجمال مثل هذه الألفاظ وعدم دلالتها إلّا على رجحان متعلّقها فعلا أو تركا ، يتردّد الأمر بين كون المتعلّق شرطا للصحّة أو الكمال ، فيرجع في تشخيص حكمه إلى ما تقتضيه الأصول العمليّة.