واجترائي عليه أكثر ، واجترامي (١) إليه أكبر : اللهم لا برىء فأعتذر ، ولا قوي فأنتصر ، لكني مستقيل ، مستنيل مستعتب مستغفر وما أبرئ نفسي ، (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [يوسف : ٥٣] ، هذا على طريق التنزل والإنصاف ، بما تقتضيه الحال ممن يتحيز إلى حيز الإنصاف ، وأما على جهة التحقيق ، فأقول ما قالته الأم ابنة الصديق (٢) : والله إني لأعلم أني إن أقررت بما يقوله الناس والله يعلم أني منه بريئة لأقول ما لم يكن ، ولئن أنكرت ما تقولون لا تصدقوني ، فأقول ما قاله أبو يوسف (٣) : صبر جميل والله المستعان على ما تصفون (٤) ، على أني لا أنكر عيوبي فأنا معدن العيوب ، ولا أجحد ذنوبي فأنا جبل الذنوب ، إلى الله أشكو عجري وبجري ، وسقطاتي وغلطاتي ، نعم كل شيء ولا ما يقوله المتقول ، المشنع المهوّل ، الناطق بفم الشيطان المسوّل ، ومن أمثالهم «سبّني واصدق ، ولا تفتر ولا تخلق» أفمثلي كان يفعل أمثالها ، ويحتمل من الأوزار المضاعفة أحمالها؟ ويهلك نفسه ويحبط أعمالها ، عياذا بالله من خسران الدين ، وإيثار الجاحدين والمعتدين ، قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ، وايم الله لو علمت شعرة في فوديّ تميل إلى تلك الجهة لقطعتها ، بل لقطفت ما تحت عمامتي من هامتي وقطّعتها ، غير أن الرعاع (٥) في كل وقت وأوان ، للملك أعداء وعليه أحزاب وأعوان ، كان أحمق أو أجهل من أبي ثروان (٦) ، أو أعقل أو أعلم من أشجّ (٧) بني مروان ، ربّ متّهم بري ، ومسربل بسربال وهو منه عري ، وفي الأحاديث صحيح وسقيم ، ومن التراكيب المنطقية منتج وعقيم ، ولكن ثم ميزان عقل ، تعتبر به أوزان النقل ، وعلى الراجح الاعتماد ، ثم إشاعة الأحماد ، المتصل المتماد ، وللمرجوح الاطراح ، ثم التزام الصراح ، بعد النّفض من الراح ، وأكثر ما تسمعه الكذب ، وطبع جمهور الخلق إلا من عصمه الله تعالى إليه منجذب ، ولقد قذفنا من الأباطيل بأحجار ، ورمينا بما لا يرمى به الكفار ، فضلا عن الفجار ، وجرى من الأمر المنقول على لسان زيد وعمرو ، ما لديكم منه حفظ الجار وإذا عظم الإنكاء ، فعلى تكاءة التجلد الاتكاء ، أكثر المكثرون ، وجهد في تعثيرنا المتعثرون ، ورمونا عن قوس واحدة ، ونظمونا في سلك
__________________
(١) في ب «واحترامي إليه».
(٢) هي أم المؤمنين عائشة ابنة الصديق أبي بكر.
(٣) أبو يوسف : أرادت به أم المؤمنين يعقوب عليه السلام.
(٤) الآية ١٨ من سورة يوسف (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ).
(٥) الرعاع : الغوغاء والسفلة.
(٦) أبو ثروان : هو هبنقة العقيس الذي ضرب به المثل في الحماقة.
(٧) أشج بني مروان : هو عمر بن عبد العزيز.