الملاحدة ، أكفرا أيضا كفرا ، غفرا اللهم غفرا ، أعد نظرا يا عبد قيس ، فليس الأمر على ما خيل لك ليس ، وهل زدنا على أن طلبنا حقنا ، ممن رام محقه ومحقنا ، فطاردنا في سبيله عداة كانوا لنا غائظين ، فانفتق علينا فتق ، لم يمكنا له رتق (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) [يوسف : ٨١] ، وبعد فاسأل أهل الحل والعقد ، والتمييز والنقد ، فعند جهينتهم تلقى الخبر يقينا (١) ، وقد رضينا بحكمهم يؤثمنا فيوبقنا أو يبرئنا فيقينا (٢) ، إيه يا من اشرأبّ إلى ملامنا ، وقدح حتى في إسلامنا ، رويدا رويدا ، فقد وجدت قوة وأيدا (٣) ، ويحك إنما طال لسانك علينا ، وامتد بالسوء إلينا ، لأن الزمان لنا مصغر ولك مكبر ، والأمر عليك مقبل وعنا مدبر ، كما قال كاتب الحجاج الموبر ، وعلى الجملة فهبنا صرنا إلى تسليم مقالك جدلا ، وذهبنا فأقررنا بالخطإ في كل ورد وصدر ، فلله در القائل (٤) : [الرجز]
إن كنت أخطأت فما أخطا القدر
وكأنا بمعتسف إذا وصل إلى هنا ، وعدم إنصافه يعلمه إلهنا ، قد ازورّ متجانفا ، ثم افتر متهانفا ، وجعل يتمثل بقولهم : إذا عيروا قالوا مقادير قدرت ، وبقولهم : المرء يعجزه المحال ، فيعارض الحق بالباطل ، والحالي بالعاطل ، ومنزع بقول القائل : رب مسمع هائل ، وليس تحته من طائل ، وقد فرغنا أول أمس من جوابه ، وتركنا الضغن يلصق حرارة الجوي به وسنلم الآن بما يوسعه تسكيتا ، ويقطعه تبكيتا ، فنقول له : ناشدناك الله تعالى ، هل اتفق لك قط وعرض ، خروج أمر ما عن القصد منك فيه والغرض؟ مع اجتهادك أثناءه في إصدارك وإيرادك ، في وقوعه على وفق اقتراحك ومرادك ، أو جميع ما تزاوله بإدارتك ، لا يقع إلا مطابقا لإرادتك ، أو كل ما تقصده وتنويه ، تحرزه كما تشاء وتحويه؟ فلا بد أن يقر اضطرارا ، بأن مطلوبه يشذّ عنه مرارا ، بل كثيرا ما يفلت صيده من أشراكه ، ويطلبه فيعجز عن إدراكه ، فنقول : ومسألتنا من هذا القبيل ، أيها النبيه النبيل ، ثم نسرد له من الأحاديث النبوية ماشينا (٥) ، مما يسايرنا في غرضنا منه ويماشينا ، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم «كل شيء بقضاء وقدر ، حتى العجز والكيس»
«لو اجتمع أهل السماوات والأرض على أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه ، ولو
__________________
(١) هذا الكلام معنى المثل القائل «وعند جهينة الخبر اليقين».
(٢) يوبقنا : يهلكنا ، ويقينا : يحفظنا.
(٣) الأيد : القوة.
(٤) هو أبو العتاهية. انظر ديوانه ص ٤٤٩.
(٥) شينا : أصله : شئنا ، مسهل الهمزة بقلبها ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.