اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يقضه الله عليك (١) لم يقدروا عليه» أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، فأخلق به أن يلوذ بأكناف الإحجام ، ويزمّ على نفثة (٢) فيه كأنما ألجم بلجام ، حينئذ نقول له والحق قد أبان وجهه وجلاه ، وقهره بحجته وعلاه : ليس لك من الأمر شيء قل إن الأمر كله لله ، وفي محاجّة آدم وموسى ما يقطع لسان الخصم ، ويرخض (٣) عن أثواب أعراضنا ما عسى أن يعلق بها من درن الوصم ، وكيفما كانت الحال ، وإن ساء الرأي والانتحال ، ووقعنا في أوجال وأوحال ، فثلّ عرشنا ، وطويت فرشنا ، ونكس لوانا ، وملك مثوانا ، فنحن أمثل من سوانا ، وفي الشر خيار ، ويد اللطائف تكسر من صولة الأغيار ، فحتى الآن لم نفقد من اللطيف تعالى لطفا ، ولا عدمنا أدوات أدعية تعطف بلا مهلة على جملتنا المقطوعة جمل النعم الموصولة عطفا ، وإلا فتلك بغداد دار السلام ، ومتبوّأ الإسلام ، المحفوف بفرسان السيوف والأقلام ، مثابة الخلافة العباسية ، ومقر العلماء والفضلاء أولي السير الأويسيّة (٤) ، والعقول الإياسية (٥) ، قد نوزلت بالجيوش ونزلت ، وزوولت بالزحوف وزلزلت ، وتحيف جوانبها الحيف (٦) ، ودخلها كفار التّتار عنوة بالسيف ، ولا تسل إذ ذاك عن كيفية (٧) أيام تجلت عروس المنية كاشفة عن ساقها مبدية ، وجرت الدماء في الشوارع والطرق كالأنهار والأودية ، وقيد الأئمة والقضاة تحت ظلال السيوف المنتضاة بالعمائم في رقابهم والأردية ، وللنجيع سيول (٨) ، تخوضها الخيول ، فتخضبها إلى أرساغها ، وتهم ظماؤها بوردها فتنكل عن تجرعها ومساغها ، فطاح عاصمها ومستعصمها ، وراح ولم يغد (٩) ظالمها ومتظلمها ، وخربت مساجدها وديارها ، واصطلم بالحسام أشرارها وخيارها ، فلم يبق من جمهور أهلها عين تطرف ، حسبما عرفت أو حسبما تعرف ، فلا تك متشككا متوقفا ، فحديث تلك الواقعة الشنعاء أشهر عند المؤرخين من قفا (١٠) ، فأين تلك الجحافل ، والآراء المدارة في المحافل؟ حين أراد الله تعالى بإدالة الكفر ، لم تجد
__________________
(١) في ب «لك لم يقدروا ...».
(٢) نفثه فيه : أراد نفخة فمه.
(٣) يرحض : يغسل. وكذلك هو في ب ونسخة عند ه. وفي أصل ه «يرخص».
(٤) نسبة إلى أويس القرني الزاهد.
(٥) نسبة إلى إياس بن معاوية القاضي الذي ضرب به المثل في الزكانة والفطنة.
(٦) تحيف : انتقص. والحيف : الجور والظلم.
(٧) في ب ، ج «عن كيف ، أيام تجلت ... إلخ».
(٨) النجيع : الدم.
(٩) في ب «ولم يعد».
(١٠) أراد أشهر من «قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل» معلقة امرئ القيس.