وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس : يدفع الله بالمحسن (١) عن المسيء ، وبالذي يصلي عن الذي لا يصلي (٢) ، وبالذي يتصدق عن الذي لا يتصدق ، وبالذي يحج عن الذي لا يحج (٣).
وعن ابن عمر عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إنّ الله يدفع بالمسلم الصّالح عن مائة من أهل بيته ومن جيرانه» ثم تلا هذه الآية (٤). وقال الضحاك : يدفع بدين الإسلام وبأهله عن أهل الذمة (٥). وقال مجاهد : يدفع عن الحقوق بالشهود ، وعن النفوس بالقصاص (٦). فإن قيل : لماذا جمع الله بين مواضع عبادات اليهود والنصارى وبين مواضع عبادة المسلمين؟ فالجواب أما على قول الحسن : فالمراد بهذه المواضع أجمع مواضع المؤمنين وإن اختلفت العبارات عنها. وأما على قول غيره فقال الزجاج : المعنى ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدم في شرع كل نبي المكان الذي يتعبد فيه ، فلولا الدفع لهدم في زمن موسى الكنائس التي كانوا يصلون فيها في شرعه ، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع وفي زمن نبينا المساجد(٧). فعلى هذا إنما دفع عنهم حين كانوا على الحق قبل التحريف وقبل النسخ (٨). فإن قيل : كيف تهدم الصلوات على تأويل من تأوله على صلاة المسلمين؟ فالجواب من وجوه :
الأول : المراد من هدم الصلاة إبطالها وإهلاك من يفعلها كقولهم هدم فلان إحسان فلان ، إذا قابله بالكفر دون الشكر (٩).
الثاني : ما تقدم من باب حذف المضاف كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(١٠) أي أهلها ، فالمراد مكان الصلاة.
الثالث : لما كان الأغلب فيما ذكر ما يصح أن يهدم جاز ضم ما لا يصح أن يهدم إليه كقولهم : متقلدا سيفا ورمحا. وإن كان الرمح لا يتقلد (١١). فإن قيل : لم قدم الصوامع والبيع في الذكر على المساجد؟
فالجواب لأنها أقدم في الوجود. وقيل أخر المساجد في الذكر كما في قوله : (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ)(١٢). قال عليهالسلام (١٣) : «نحن الآخرون السّابقون» (١٤).
__________________
(١) في ب : المحسن.
(٢) في الأصل : لم يصل.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤١.
(٤) المرجع السابق.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤١.
(٦) المرجع السابق.
(٧) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٣١.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤١.
(٩) في الأصل : الشرك. وهو تحريف.
(١٠) من قوله تعالى : «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ» [يوسف : ٨٢].
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤١ ـ ٤٢.
(١٢) من قوله تعالى : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» [فاطر : ٣٢].
(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٤) أخرجه البخاري (جمعة) ١ / ١٥٧ ، ١٦٠ ، مسلم (جمعة) ٢ / ٥٨٦ ، وانظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤٢.