وثانيها : قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)(١) وظاهر (٢) الأمر للوجوب ، والغفلة تضاد الذكر (٣) ، فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيما للصلاة لذكره.
وثالثها : قوله تعالى : (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ)(٤) وظاهره (٥) للتحريم ، وقوله : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ)(٦) تعليل لنهي السكران ، وهو مطرد في الغافل المستغرق في الدنيا.
ورابعها : قوله ـ عليهالسلام (٧) ـ «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا» (٨) وصلاة الغافل لا تمنع من الفحشاء ، قال عليهالسلام (٩) : «كم من قائم حظّه من قيامه التعب والنصب» (١٠) وما أراد به إلا الغافل ، وقال أيضا : «ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل» ، وقالت عائشة ـ رضي الله عنها (١١) ـ سألت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن الالتفات في الصلاة ، فقال : «هو اختلاس (١٢) يختلسه الشّيطان من صلاة العبد» (١٣) وعن أبي ذر عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «لا يزال الله ـ عزوجل (١٤) ـ مقبلا على العبد ما كان في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت أعرض عنه» (١٥). وذهب بعضهم إلى أنه ليس بواجب لأنّ اشتراط الخضوع والخشوع خلاف لإجماع الفقهاء فلا يلتفت إليه.
وأجيب بأن هذا الإجماع ممنوع ، لأن المتكلمين اتفقوا على أنه لا بدّ من الخضوع والخشوع ، واحتجوا بأن السجود لله تعالى (١٦) طاعة ، وللصنم كفر ، وكل واحد منهما
__________________
(١) من قوله تعالى : «إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» [طه : ١٤].
(٢) في الأصل : وظاهرها.
(٣) في النسختين : الفكر.
(٤) من قوله تعالى :«وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ» [الأعراف : ٢٠٥].
(٥) في ب : وظاهر.
(٦) من قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ» [النساء : ٤٣].
(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.»
(٨) ذكره ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس. تفسير ابن كثير ٣ / ٤١٤.
(٩) في ب : وقال عليه الصلاة والسلام.
(١٠) أخرجه ابن ماجه (صيام) ١ / ٥٣٩ ، والدارمي (رقاق) ٢ / ٣٠١ ، أحمد بن حنبل ٢ / ٣٧٣ ، ٤٤١.
(١١) رضي الله عنها : سقط من الأصل.
(١٢) في الأصل : الاختلاس.
(١٣) أخرجه البخاري (أذان) ١ / ١٣٧ ، (وبدء الخلق) ٢ / ٢٢٣ ، وأبو داود (صلاة) ١ / ٥٦٠ ، والنسائي (سهو) ٣ / ٨ ، والترمذي (جمعة) ٢ / ٥١ ، والإمام أحمد ٦ / ٧٠ ، ١٠٦.
(١٤) في ب : تعالى.
(١٥) أخرجه النسائي (سهو) ٣ / ٨ ، وأبو داود (صلاة) ١ / ٣٣١ ، والإمام أحمد ٥ / ١٧٢ ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٥ / ٤.
(١٦) تعالى : سقط من الأصل.