والأول أقرب ، لأنه أوفق للفظ ، ولأنه روي عن أم عبد الله أخت شدّاد بن أوس أنها بعثت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقدح لبن في شدّة الحر عند فطره وهو صائم فردّه الرسول إليها وقال : «من أين لك هذا؟» ، فقالت : من شاة لي ، فقال : «من أين هذه الشاة؟» ، فقالت : اشتريتها بمالي ، فأخذه ، ثم إنها جاءته فقالت : يا رسول الله لم رددته؟ فقال ـ عليهالسلام (١) ـ : «بذلك أمرت الرسل أن لا تأكل إلّا طيبا ولا تعمل إلّا صالحا (٢)» (٣).
واختلفوا في الطيّب ، فقيل : هو الحلال. وقيل : هو المستطاب المستلذ من المأكل (٤).
قوله : (وَاعْمَلُوا صالِحاً) يجوز أن يكون «صالحا» نعتا لمصدر محذوف أي : واعملوا عملا صالحا من غير نظر إلى ما يعملونه ، كقولهم : يعطي ويمنع. ويجوز أن يكون مفعولا به ، وهو واقع على نفس المعمول. (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وهذا تحذير من مخالفة ما أمرهم به ، وإذا كان تحذيرا للرسل مع علو شأنهم ، فبأن يكون تحذيرا لغيرهم أولى (٥).
قوله : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) قرأ ابن عامر وحده «وأن هذه» بفتح الهمزة وتخفيف النون. والكوفيون (٦) بكسرها والتثقيل. والباقون بفتحها والتثقيل (٧). فأمّا قراءة ابن عامر فهي المخففة من الثقيلة ، وسيأتي توجيه الفتح في الثقيلة ، فيتضح معنى قراءته.
وأمّا قراءة الكوفيين فعلى الاستئناف (٨).
وأمّا قراءة الباقين (٩) ففيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّها على حذف اللام أي : ولأنّ هذه ، فلمّا حذف حرف الجرّ جرى الخلاف المشهور(١٠) ، وهذه اللام تتعلق ب «اتّقون» (١١). والكلام في الفاء كالكلام في قوله : (إِيَّايَ فَارْهَبُونِ)(١٢).
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٦ / ٣٤٠ ، وأورده السيوطي في الدر المنثور ٥ / ١٠.
(٣) آخر ما نقله عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٥.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٥.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٥.
(٦) وهم : عاصم ، وحمزة ، والكسائي.
(٧) السبعة (٤٤٦) ، الحجة لابن خالويه (٢٥٧) ، الكشف ٢ / ١٢٩ النشر ٢ / ٣٢٨ ، الإتحاف (٣١٩).
(٨) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١١ ، البيان ٢ / ١٥٨ ، التبيان ٢ / ٩٥٧.
(٩) وهي بفتح «أنّ» والتثقيل.
(١٠) انظر الكتاب ٣ / ١٢٦ ـ ١٢٩ ، المغني ٢ / ٥٢٥ ـ ٥٢٧ ، الهمع ٢ / ٨١ ، الأشموني ٣ / ٩٢.
(١١) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١١ ، البيان ٢ / ١٥٨ ، التبيان ٢ / ٩٥٦.
(١٢) من قوله تعالى : «يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ» [البقرة : ٤٠].