بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ) عن دين الحق «لناكبون» لعادون عن هذا الطريق ، لأن طريق الاستقامة واحد وما يخالفه فكثير (١).
قوله : (عَنِ الصِّراطِ) متعلق ب «ناكبون» ولا تمنع لائم الابتداء من ذلك (٢) على رأي تقدم تحقيقه. والنكوب والنكب : العدول والميل ، ومنه : النكباء للريح بين ريحين ، سميت بذلك لعدولها عن المهاب (٣) ، ونكبت حوادث الدهر ، أي : هبت هبوب النكباء.
والمنكب : مجتمع ما بين العضد والكتف ، والأنكب : المائل المنكب ، ولفلان (٤) نكابة في قومه أي : نقابة فتشبه أن تكون الكاف بدلا من القاف ، ويقال : نكب ونكب مخففا ومثقلا (٥).
قوله : (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ) قحط وجدب (٦) وقيل : ضرر القتال والسبي. وقيل : مضار الآخرة وعذابها (٧).
قوله : «للجوا» جواب «لو» ، وقد توالى فيه لا مان ، وفيه تضعيف لقول من قال : جوابها إذا نفي ب (لم) ونحوها مما صدر فيه حرف النفي بلام أنه لا يجوز دخول اللام ولو قلت : لو قام للم يقم عمرو ، لم يجز ، قال : لئلا يتوالى لا مان ، وهذا موجود في الإيجاب كهذه الآية ، ولم يمتنع ، وإلا فما الفرق بين النفي والإثبات في ذلك (٨) واللجاج : التمادي في العناد في تعاطي الفعل المزجور (٩) عنه ، ومنه اللجة : بالفتح : لتردد الصوت ، كقوله :
٣٨٠٥ ـ في لجة أمسك فلانا عن فل (١٠)
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٤.
(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٥٩.
(٣) في ب : المهيئات. وهو تحريف.
(٤) في ب : والعلان. وهو تحريف.
(٥) انظر اللسان (نكب).
(٦) انظر البغوي ٦ / ٣٢.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٤.
(٨) لم يمنع النحاة دخول اللام في الإيجاب ، وإنما منعوا دخولها في النفي لئلا يجمع بين متماثلين في نحو لم ، ولن ، ولما ، ولا ، وحمل الباقي عليه. وعلل الرضي منع ذلك بالتنافي في الظاهر ، وذلك لأن اللام للثبوت ، والثبوت ينافي النفي في الظاهر. وجواب (لو) في الآية التي معنا مثبت ، فاللام داخلة على (لجوا) ولا مه فاء الفعل ، وليست نافية حتى يمتنع دخولها عليه وإن أدى إلى توالي لا مين ـ فقد علل الرضي المنع بالتنافي بين اللام وبين النفي ؛ وجواب (لو) إذا كان فعلا ماضيا مثبتا يغلب اقترانه باللام المفتوحة. شرح الكافية ٢ / ٣٣٨ ، شرح التصريح ١ / ٢٢٢ ، الهمع ١ / ١٤٠ ، ٢ / ٦٦.
(٩) في ب : الموجود. وهو تحريف.
(١٠) رجز قاله أبو النجم ، وهو في الكتاب ٢ / ٢٤٨ ، ٣ / ٤٥٢ ، المقتضب ٤ / ٢٣٨ ، أما لي ابن الشجري ٢ / ١٠١ ، المقرب ٢٠٠ ـ اللسان (لجج ـ فلن) المقاصد النحوية ٤ / ٢٢٨ ، شرح التصريح ٢ / ١٨٠ ، الهمع ١ / ١٧٧ ، شرح الأشموني ٣ / ١٦١ ، الخزانة ٢ / ٣٨٩ ، الدرر ١ / ١٥٤. اللجة ـ بالفتح ـ اختلاط الأصوات في الحرب ، وهو محل الشاهد هنا واستشهد به النحاة على أن استعمال (فل) موضع فلان في غير النداء ضرورة ، وأن (فل) أصله (فلان) فإذا صغر رد إلى أصله ، فقيل : فلين.