من هذه الآيات الرد على منكري الإعادة ، وأن يكون المقصود الرد على عبدة الأوثان ، لأن القوم كانوا مقرين بالله ، وقالوا : نعبد الأصنام لتقربنا إلى الله زلفى (١) ، فقال تعالى : قل يا محمد مجيبا لهم يعني يا أهل مكة (لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها) من الخلق (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) خالقها ومالكها (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) فلا بد لهم من ذلك ، لأنهم يقرون أنها مخلوقة ، فقل لهم إذا أقروا بذلك : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) فتعلمون أن من قدر على خلق الأرض ومن فيها ابتداء يقدر على إحيائهم بعد الموت. وفي قوله : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سؤال يأتي في قوله : (وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٢) ووجه الاستدلال به على نفي عبادة الأوثان من حيث أن عبادة من خلقهم ، وخلق الأرض وكل من فيها هي الواجبة دون عبادة ما لا يضر ولا ينفع.
وقوله : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) معناه الترغيب في التدبر ليعلموا بطلان ما هم عليه (٣).
قوله : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) ووجه الاستدلال بها على الأمرين (٤) كما تقدم (٥). وإنما قال : (أَفَلا تَتَّقُونَ) أي : تحذرون ، تنبيها على أن اتقاء عذاب الله لا يحصل إلا بترك عبادة الأوثان ، والاعتراف (٦) بجواز الإعادة (٧).
قوله : (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) قرأ أبو عمرو (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) في الأخيرتين (٨) من غير لا م جر ، ورفع الجلالة (٩) جوابا على اللفظ لقوله «من» قوله : (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) ، لأن المسؤل به مرفوع المحل وهو «من» فجاء جوابه مرفوعا مطابقا له لفظا ، وكذلك رسم الموضعان (١٠) في مصاحف البصرة بالألف (١١).
والباقون : «لله» في الموضعين باللام (١٢) وهو جواب على المعنى (١٣) ؛ لأنه لا فرق بين قوله : (مَنْ رَبُّ السَّماواتِ) وبين قوله : لمن (١٤) السماوات ، ولا (١٥) بين قوله : (مَنْ بِيَدِهِ) ولا لمن له الإحسان ، وهذا كقولك : من رب هذه الدار؟ فيقال : زيد ، وإن شئت
__________________
(١) قال تعالى : «أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى» [الزمر : ٣]. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٦ ـ ١١٧.
(٢) من الآية (٨٨) من السورة نفسها.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٧.
(٤) في ب : الاستدلالين بها.
(٥) أي : الاستدلال على الإعادة ، وعلى نفي عبادة الأوثان انظر ذلك في الآية المتقدمة.
(٦) في ب : والإعراف. وهو تحريف.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٧.
(٨) في ب : الأخيرين.
(٩) السبعة (٤٤٧) ، الحجة لابن خالويه (٢٥٨) ، الكشف ٢ / ١٣٠ ، النشر ٢ / ٣٢٩ ، الإتحاف (٣٢١).
(١٠) في ب : الموضعين.
(١١) انظر الكشف ٢ / ١٣٠ ، البيان ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، التبيان ٢ / ٩٦٠.
(١٢) السبعة (٤٤٧) ، الحجة لابن خالويه (٢٥٨) ، الكشف ٢ / ١٣٠ ، النشر ٢ / ٣٢٩ ، الإتحاف (٣٢٠).
(١٣) انظر الكشف ٢ / ١٣٠ ، البيان ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، التبيان ٢ / ٩٦٠.
(١٤) في ب : لمن في.
(١٥) لا : سقط من ب.