وقيل : أعمل بطاعة الله تعالى. وقيل : أعمل صالحا فيما قصّرت ، فيدخل فيه العبادات البدنية والمالية ، وهذا أقرب ، لأنهم تمنوا الرجعة ليصلحوا ما أفسدوه (١). فإن قيل : قوله تعالى : (لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً) كيف يجوز أن يسأل الرجعة مع الشك.
فالجواب : ليس المراد ب «لعلّ» الشك فإنّه في هذا الوقت باذل للجهد في العزم على الطاعة إن أعطي ما (٢) سأل ، فهو مثل من قصّر في حق نفسه ، وعرف سوء عاقبة ذلك التقصير ، فيقول : مكنوني من (٣) التدارك (٤) لعلى أتدارك فيقول هذه الكلمة مع كونه جازما بأنه سيتدارك.
ويحتمل أيضا أنّ الأمر المستقبل إذا لم يعرفوه أوردوا الكلام الموضوع للترجي والظن دون اليقين فقد قال تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ)(٥)(٦).
قوله : «كلّا» (٧) كلمة ردع وزجر أي : لا ترجع. معناه المنع طلبوا (٨) ، كما يقال لطالب الأمر المستبعد : هيهات. ويحتمل أن يكون ذلك إخبارا بأنهم يقولون ذلك ، وأنّ هذا الخبر حق ، فكأنّه تعالى قال : حقا إنّها كلمة هو قائلها. والأول أقرب (٩).
قوله : (إِنَّها كَلِمَةٌ) من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل كقوله : «أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد» (١٠) يعني قوله :
٣٨١٠ ـ ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل (١١)
وقد تقدم طرف من هذا في آل عمران (١٢). و (هُوَ قائِلُها) صفة ل «كلمة».
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢١.
(٢) في ب : ما من. وهو تحريف.
(٣) من : سقط من ب.
(٤) الدرك : اللحاق ، وقد أدركه ، وتدارك القوم : تلاحقوا ، أي : لحق آخرهم أولهم. اللسان (درك).
(٥) [الأنعام : ٢٨].
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢١.
(٧) انظر مذاهب النحويين في هذه اللفظة في سورة مريم عند قوله تعالى : «كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا»الآية (٧٩).
(٨) في ب : فاطلبوا. وهو تحريف.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢١.
(١٠) أخرجه البخاري (مناقب الأنصار) ٢ / ٣١٩ ، ومسلم (شعر) ٤ / ١٧٦٨ ـ ١٧٦٩ ، ابن ماجة (أدب) ٢ / ١٢٣٦.
(١١) صدر بيت من بحر الطويل قاله لبيد بن ربيعة ، وعجزه :
وكلّ نعيم لا محالة زائل
وقد تقدم.
(١٢) عند قوله تعالى : «أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ» [آل عمران : ٣٩] ، وقوله تعالى : «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً» من الآية (٦٤) من السورة نفسها.
انظر اللباب ٢ / ٢٢٨ ، ٢٦٢ ـ ٢٦٣.