واللفح إصابة النار الشيء بوهجها وإحراقها له ، وهو أشد من النفح (١) ، وقد تقدم النفح (٢) في الأنبياء(٣). قوله : (وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) الكلوح تشمير الشفة العليا ، واسترخاء السفلى (٤).
قال عليهالسلام (٥) في قوله : (وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) قال : «تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه ، وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته» (٦). وقال أبو هريرة : يعظم الكافر في النار مسيرة سبع ليال ضرسه مثل أحد ، وشفاههم عند سررهم سود زرق خنق مقبوحون (٧). ومنه كلوح الأسد أي : تكشيره عن أنيابه ، ودهر كالح (وبرد كالح) (٨) أي : شديد وقيل الكلوح : تقطيب الوجه وتسوره ، وكلح الرجل يكلح كلوحا (وكلاحا) (٩)(١٠).
قوله : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) يعني القرآن تخوفون بها (فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) قالت المعتزلة دلت الآية على أنهم إنما عذبوا بسوأ أفعالهم ، ولو كان فعل العبد بخلق الله لما صح ذلك.
والجواب : أن القادر على الطاعة والمعصية إن صدرت المعصية عنه لا لمرجح ألبتة كان صدورها(١١) عنه اتفاقيا لا اختياريا فوجب أن لا يستحق العقاب ، وإن كان لمرجح فذلك المرجح ليس من فعله وإلا لزم التسلسل فحينئذ يكون صدور تلك الطاعة عنه اضطراريا لا اختياريا فوجب أن لا يستحق الثواب (١٢).
قوله تعالى : (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا
__________________
(١) في النسختين : النفخ. والصواب ما أثبته. قال الزجاج : (يلفح وينفح في معنى واحد إلا أن اللفح أعظم تأثيرا) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٣.
(٢) في النسختين : النفخ. والصواب ما أثبته.
(٣) عند قوله تعالى : «وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ» [الأنبياء : ٤٦].
(٤) قال الزجاج : (والكالح الذي قد تشمرت شفته عن أسنانه ، نحو ما ترى من رؤس الغنم إذا مستها النار ، فبرزت الأسنان وتشمرت الشفاه) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٣.
(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) أخرجه الترمذي (جهنم) ٤ / ١٠٩ ، (التفسير) ٥ / ١٠ ، أحمد ٣ / ٧٧. وذكره السيوطي في الدر المنثور ٥ / ١٦.
(٧) انظر البغوي ٦ / ٤٣.
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٩) انظر اللسان (كلح).
(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.
(١١) في ب : صدور رفعا. وهو تحريف.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٤.