باطلا ، لأنه (لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) لا حجّة ولا بيّنة ، لأنه لا حجّة في دعوى الشرك ، وهذا يدل على صحة النظر وفساد التقليد. ثم قال : (فَإِنَّما حِسابُهُ) أي : جزاؤه عند ربه يجازيه بعمله كما قال : (إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ)(١) كأنّه قال : إن عقابه بلغ إلى حيث لا يقدر أحد على حسابه إلّا الله (٢).
قوله : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) فشتّان ما بين فاتحة السورة وخاتمتها. قرأ الجمهور بكسر همزة (إنّه) على الاستئناف المفيد للعلة (٣). وقرأ الحسن وقتادة «أنّه» بالفتح (٤) ، وخرّجه الزمخشري على أن يكون خبر «حسابه» قال : ومعناه حسابه عدم الفلاح ، والأصل حساب أنّه لا يفلح هو ، فوضع الكافرون في موضع الضمير ، لأن «من يدع» في موضع الجمع ، وكذلك حسابه أنّه لا يفلح في معنى حسابهم أنهم لا يفلحون (٥). انتهى.
ويجوز أن يكون ذلك على حذف حرف العلة أي : لأنّه لا يفلح (٦). وقرأ الحسن : (لا يُفْلِحُ)(٧) مضارع (فلح) بمعنى (أفلح) (فعل) و (أفعل) فيه بمعنى ، والله أعلم.
فصل
المعنى لا يسعد من جحد وكذّب ، وأمر الرسول بأن يقول : (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ) ويثني عليه بأن (خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) ، وقد تقدّم بيان كونه (أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(٨).
فإن قيل : كيف اتصال هذه الخاتمة بما قبلها؟
فالجواب : أنّه سبحانه لما شرح أحوال الكفار في جهلهم في الدنيا وعذابهم في الآخرة أمر بالانقطاع إلى الله والالتجاء إلى غفرانه ورحمته ، فإنهما العاصمان عن كل الآفات والمخافات (٩).
روي أنّ أوّل سورة (قد أفلح) وآخرها من كنوز العرش من عمل بثلاث آيات من أولها ، واتعظ بأربع من آخرها فقد نجا وأفلح (١٠). وروى الثعلبي في تفسيره عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «من قرأ سورة المؤمنون بشرته الملائكة بالرّوح والرّيحان ، وما تقرّ به عينه عند نزول ملك الموت» (١١).
__________________
(١) [الغاشية : ٢٦].
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٩.
(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٦٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٥.
(٤) المختصر (٩٩) ، المحتسب ٢ / ٩٨ ، الكشاف ٣ / ٥٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٥.
(٥) الكشاف ٣ / ٥٨.
(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٦٢.
(٧) المختصر (٩٩) ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٥.
(٨) عند قوله تعالى : «وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» [الأنبياء : ٣٨].
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٩.
(١٠) انظر الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١١٦) ، وفيه قال ابن حجر لم أجده.
(١١) انظر الكافي الشاف (١١٦).