في الآية الأولى اتباعه تقليدا بغير حجة ، (وفي الثانية مجادلته في الدين ، وإضلاله غيره بغير حجة) (١).
والأول أقرب لما تقدم. ودلت الآية على أن الجدال مع العلم والهدى والكتاب (٢) حق حسن.
والمراد بالعلم العلم الضروري ، وبالهدى الاستدلال والنظر ؛ لأنه يهدي إلى المعرفة ، وبالكتاب المنير الوحي. والمعنى يجادل من غير مقدمة ضرورية ، ولا نظريّة ولا سمعيّة فهو كقوله تعالى (٣) : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ)(٤) ثم قال (ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ثني العطف عبارة عن التكبر والخيلاء (٥) قال مجاهد وقتادة : لاوي عنقه (٦). وقال عطية وابن زيد : معرضا عما يدعى إليه تكبرا (٧). والعطف الجانب وعطفا (٨) الرجل : جانباه عن يمين وشمال ، وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان أي (٩) : يلويه ويميله عند الإعراض عن الشيء ، ونظيره قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً)(١٠) وقوله (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ)(١١)(١٢). (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) فمن ضم الياء فمعناه : ليضل غيره عن طريق الحق ، فجمع بين الضلال والكفر وإضلال الغير. ومن فتح الياء فالمعنى : ليضل هو عن دين الله (١٣). (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ)(١٤) عذاب وهوان ، وهو القتل ببدر ، فقتل النضر ، وعقبة بن أبي معيط يوم بدر صبرا. (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) ويقال له : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(١٥) والكلام في قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ)(١٦) كالكلام في قوله : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ) وكذا قوله (وَأَنَّ اللهَ) يجوز عطفه على السبب ، ويجوز أن يكون التقدير والأمر أن الله ، فيكون منقطعا عما قبله (١٧).
قوله : «ظلّام» مثال مبالغة. فإن قيل : إذا قلت : إن زيدا ليس بظلام ، لا يلزم منه نفي أصل الظلم ، فإن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم.
فالجواب : أن المبالغة إنما جيء بها لتكثير (١٨) محلها فإن العبيد جمع ، وأحسن من
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من ب.
(٢) في ب : وفي الكتاب.
(٣) تعالى : سقط من الأصل.
(٤) [الحج : ٧١].
(٥) آخر ما نقله عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢.
(٦) انظر البغوي ٥ / ٥٥٦.
(٧) المرجع السابق.
(٨) في الأصل : والعطف. وهو تحريف.
(٩) في الأصل : أن. وهو تحريف.
(١٠) [لقمان : ٧].
(١١) [المنافقون : ٥].
(١٢) انظر البغوي ٥ / ٥٥٦ ـ ٥٥٧.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٤ ، ٣٥٥.
(١٤) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٥٧.
(١٥) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٥٧.
(١٦) من الآية (٦) من السورة نفسها.
(١٧) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٢.
(١٨) في ب : لتكثر.