غير أنه صرف الأبد إلى مدة كونه قاذفا ، وهي تنتهي بالتوبة (والرجوع) (١) عن القذف ، وجعل الاستثناء متعلّقا بالجملة الثانية (٢). انتهى.
واعلم أن الإعراب متوقف على ذكر الحكم ، ومحلّ المستثنى فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه منصوب على أصل الاستثناء (٣).
والثاني : أنه مجرور بدلا من الضمير في «لهم» (٤).
وقد أوضح الزمخشري ذلك بقوله : وحق المستثنى عنده ـ أي : الشافعي ـ أن يكون مجرورا بدلا من «هم» (٥) في «لهم» ، وحقه عند أبي حنيفة أن يكون منصوبا ، لأنه عن موجب والذي يقتضيه ظاهر الآية ونظمها أن تكون الجمل الثلاثة بمجموعهن جزاء الشرط ، كأنه قيل : ومن قذف المحصنات فاجلدوهم ، وردّوا شهادتهم ، وفسّقوهم ، أي : فاجمعوا لهم الجلد والردّ والتفسيق ، إلا الذين تابوا عن القذف وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ، يغفر لهم فينقلبون غير مجلودين ولا مردودين ولا مفسّقين (٦).
قال أبو حيان : وليس ظاهر الآية يقتضي عود الاستثناء إلى الجمل الثلاث ، بل الظاهر هو ما يعضده كلام العرب ، وهو الرجوع إلى الجملة التي تليها (٧).
والوجه الثالث : أنه مرفوع بالابتداء ، وخبره الجملة من قوله : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٨).
واعترض بخلوّها من رابط.
وأجيب بأنه محذوف ، أي : غفور لهم (٩).
واختلفوا أيضا في هذا الاستثناء ، هل هو متّصل أم منقطع؟ والثاني ضعيف جدا (١٠).
__________________
(١) والرجوع : تكملة من الكشاف.
(٢) الكشاف ٣ / ٦٢.
(٣) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٦ ، البيان ٢ / ١٩١ ، التبيان ٢ / ٩٦٤.
(٤) المراجع السابقة.
(٥) في النسختين : منهم.
(٦) الكشاف ٣ / ٦٢.
(٧) وهو اختياره في أن المستثنى يعود إلى الجملة الأخيرة فإنه قال : (والذي يقتضيه النظر أنّ الاستثناء إذا تعقب جملة يصلح أن يتخلص كل واحد منها بالاستثناء أن يجعل تخصيصا في الجملة الأخيرة ، وهذه المسألة تكلم عليها في أصول الفقه ، وفيه خلاف وتفصيل ولم أر من تكلم عليها من النحاة غير المهاباذي وابن مالك ، فاختار ابن مالك أن يعود إلى الجمل كلها كالشرط ، واختار المهاباذي أن يعود إلى الجملة الأخيرة ، وهو الذي نختاره) البحر المحيط ٦ / ٤٣٣.
(٨) البيان ٢ / ١٩١ ، التبيان ٢ / ٩٦٤.
(٩) التبيان ٢ / ٩٦٤.
(١٠) قال أبو حيان : (والقول بأنه استثناء منقطع مع ظهور اتصاله ضعيف لا يصار إليه إلا عند الحاجة) البحر المحيط ٦ / ٤٣٣.