تعالى وإن خص بذلك المؤمنين ، فهو نهي لكل المكلفين ، لأن قوله : (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) منع لكل المكلفين من ذلك والفحشاء : ما أفرط قبحه. والمنكر (١) : ما تنكره النفوس ، فتنفر عنه ولا ترتضيه (٢).
قوله : «فإنه يأمر» في هذه الهاء ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها ضمير الشأن ، وبه بدأ أبو البقاء (٣).
والثاني : أنها ضمير الشيطان.
وهذان الوجهان إنما يجوزان على رأي من لا يشترط (٤) عود الضمير (٥) على اسم الشرط من جملة الجزاء.
والثالث : أنه عائد على «من» الشرطية (٦).
قوله : «ما زكى». العامة على تخفيف الكاف ، يقال : زكا يزكو ، وفي ألفه الإمالة (٧) وعدمها. وقرأ الأعمش وابن محيصن وأبو جعفر بتشديدها (٨). وكتبت ألفه ياء ، وهو شاذ ، لأنه من ذوات الواو كغزا (٩) ، وإنما حمل على لغة من أمال ، أو (١٠) على كتابة المشدد (١١).
فعلى قراءة التخفيف يكون «من أحد» فاعلا. وعلى قراءة التشديد يكون مفعولا ، و «من» مزيدة على كلا التقديرين ، والفاعل هو الله تعالى.
فصل
قال مقاتل : ما زكا : ما صلح (١٢).
وقال ابن قتيبة : ما (ظهر (١٣)) (١٤).
وقيل : من بلغ في الطاعة لله مبلغ الرضا ، (يقال : زكا الزرع) (١٥) ، فإذا بلغ المؤمن
__________________
(١) في ب : والمنكرة.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٦.
(٣) الذي قاله أبو البقاء في التبيان : (قوله تعالى : «فَإِنَّهُ يَأْمُرُ» الهاء ضمير الشيطان أو ضمير من) ٢ / ٩٦٧.
(٤) في ب : لا يرى.
(٥) في الأصل : ضمير.
(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٦٧ ، البحر المحيط ٦ / ٤٣٩.
(٧) قال ابن جني (من ذلك قراءة أبي جعفر ، وشيبة ، وعيسى الهمداني ، وعيسى الثقفي ، ورويت عن عاصم ، والأعمش أيضا «ما زكا» بالإمالة. قال أبو الفتح : من الواو ، لقولهم فيه : زكوت تزكو فأميلت ألفه ، فإن كانت من الواو من حيث كان فعلا ، والأفعال أقعد في الاعتلال من الأسماء من حيث كانت كثيرة التصرف ، وله وضعت ، والإمالة ضرب من التصرف ولو كانت اسما لم تحسن إمالته حسنها في الفعل ، وذلك نحو العفا : ولد الحمار الوحشي ، والسّنا : الذي يأتي من مكة) المحتسب ٢ / ١٠٥.
(٨) قال ابن خالويه :(«ما زكى» بالإمالة شيبة والأعمش ، «ما زكى» بالتشديد والإمالة الحسن ، «ما زكى» بالفتح والتشديد الحسن وأبو حيوة) المختصر (١٠١) وانظر البحر المحيط ٦ / ٤٣٩.
(٩) في ب : لعزا. وهو تحريف.
(١٠) في ب : و. وهو تحريف.
(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٣٩.
(١٢) انظر البغوي ٦ / ٨٣.
(١٣) تفسير غريب القرآن (٣٠٢).
(١٤) ما بين القوسين في النسختين : ظهر. والصواب ما أثبته.
(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.