بعضهم : الصيغة عامة ، فيدخل فيه قذفة عائشة وغيرها (١).
وقيل : المراد قذفة عائشة.
قالت عائشة : رميت وأنا غافلة ، وإنما بلغني بعد ذلك ، فبينا رسول الله (٢) عندي إذ أوحى إليه ، قال : «أبشري» وقرأ : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ).
وقيل : المراد جملة أزواج رسول الله ، وأنهن لشرفهن خصصن بأن من قذفهن فهذا الوعيد لاحق به. واحتج هؤلاء بأمور :
الأول : أن قاذف سائر المحصنات تقبل توبته لقوله في أول السورة : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) إلى قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ...)(٣).
وأما القاذف في هذه الآية فإنه لا تقبل توبته لقوله تعالى : (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ولم يذكر استثناء.
وأيضا فهذه صفة المنافقين في قوله : (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا)(٤).
الثاني : أن قاذف سائر المحصنات لا يكفر ، والقاذف في هذه الآية كافر ، لقوله : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ ...)(٥) وذلك صفة الكفار والمنافقين لقوله (٦) : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ ...)(٧) الآيات (٨).
الثالث : أنه قال : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) والعذاب العظيم هو عذاب (٩) الكفر ، (فدلّ على أن عذاب هذا القاذف عقاب الكفر) (١٠). وعقاب قذف سائر المحصنات لا يكون عقاب الكفر.
وروي أن ابن عياش (١١) كان بالبصرة يوم عرفة ، وكان يسأل عن تفسير هذه الآية ، فقال : «من أذنب ثم تاب قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة».
وأجاب الأولون بأن الوعيد المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون مشروطا بعدم التوبة ، لأن الذنب سواء كان كفرا أو فسقا (١٢) ، فإذا تاب عنه صار مغفورا.
__________________
(١) وهو قول الأصوليين.
(٢) في ب : رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(٣) [النور : ٤ ، ٥].
(٤) من قوله تعالى : «مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً» [الأحزاب : ٦١].
(٥) [النور : ٢٤].
(٦) في ب : لقوله تعالى.
(٧) [فصلت : ١٩].
(٨) قال تعالى : «وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ، وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ» [فصّلت : ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ، ٢٢].
(٩) في ب : عقاب.
(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.
(١١) في ب : وروى ابن عباس أنه.
(١٢) في الأصل : أو كفرا. وهو تحريف.