كاتب غلاما له على خمسة وثلاثين ألف درهم ، فوضع من آخر كتابته خمسة آلاف درهم.
وقيل : يحط عنه قدرا يحصل الاستغناء به. قال سعيد بن جبير : كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئا من أول نجومه ، مخافة أن يعجز فيرجع إليه صدقته ، ووضع من آخر كتابته ما أحب (١). وكاتب عمر عبدا ، فجاءه بنجمه ، فقال : اذهب فاستغن على أداء مال الكتابة ، فقال المكاتب : لو تركته إلى آخر نجم فقال : إني أخاف ألا أدرك ذلك (٢).
وقيل (٣) : هو أمر استحباب ، لقوله عليهالسلام (٤) : «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» (٥) وقولهعليهالسلام (٦) : أيما عبد كاتب على مائة فأداها إلا عشرة فهو عبد (٧). ولو كان الحط واجبا سقط عنه بقدره ، وأيضا فلو كان الإيتاء واجبا لكان وجوبه معلقا بالعقد ، فيكون (٨) العقد موجبا له ومسقطا له ، وذلك محال لتنافي الإسقاط والإيجاب.
وأيضا فلو كان الحط واجبا لما احتاج أن يضع عنه ، بل كان يسقط القدر المستحق ، كمن له على إنسان دين ، ثم لذلك الآخر على الأول مثله فإنه يصير قابضا له. وأيضا فلو كان واجبا لكان قدر الإيتاء إما أن يكون معلوما أو مجهولا ، فإن كان معلوما وجب ألا تكون الكتابة بثلاثة أرباع المال على قول من يجعله الربع ، فيعتق إذا أدى ثلاثة آلاف إذا كان العقد على أربعة آلاف ، وذلك باطل ، لأن أداء جميعها شرط ، فلا يعتق بأداء البعض لقوله عليهالسلام (٩) : «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» (١٠). وإن كان مجهولا صارت الكتابة مجهولة ، لأن الباقي بعد الحط مجهول ، فلا يصح ، كما لو كاتب عبده على ألف درهم إلا شيء (١١).
وقال قوم : المراد بقوله : «وآتوهم» أي سهمهم الذي جعله الله لهم من الصدقات المفروضات بقوله : (وَفِي الرِّقابِ)(١٢) وهو قول الحسن وزيد بن أسلم ، ورواية عطاء عن
__________________
(١) انظر البغوي ٦ / ١١٠ ـ ١١١.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٩.
(٣) وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢٠.
(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٥) أخرجه أبو داود (عتاق) ٤ / ٢٤٢ ، وفي الترمذي (بيوع) ٣ / ٣٦٦ : هو قول أكثر أهل العلم ، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ، وفي الموطأ (مكاتب) ٢ / ٧٨٧ ، أنه قول عبد الله بن عمر ، وعروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار ، وابن ماجه (عتق) ٢ / ٨٤٢.
(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) أخرجه أبو داود (عتاق) ٤ / ٢٤٤ ، ابن ماجه (عتق) ٢ / ٤٨٢ ، الترمذي (بيوع) ٢ / ٣٦٦ ، أحمد ٢ / ١٧٨ ، ١٨٤ ، ٢٠٦ ، ٢٠٩.
(٨) في ب : ليكون.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) سبق تخريجه آنفا.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢٠ ـ ٢٢١.
(١٢) [التوبة : ٦٠] وهي الآية التي بينت مصارف الزكاة.