والثاني : (فإنّ الله غفور رحيم) (١) بالمكره بشرط التوبة. وهذا ضعيف لأنه يحتاج إلى الإضمار ، والأول لا يحتاج إليه (٢). وفي هذا نظر ، لأنه لا بد من ضمير يعود على اسم الشرط عند الجمهور كما تقدم تحقيقه (في البقرة) (٣)(٤).
قوله : (فَإِنَّ اللهَ) جملة وقعت جوابا للشرط ، والعائد على اسم الشرط محذوف ، تقديره : غفور لهم (٥). وقدره الزمخشري في أحد تقديراته (٦) وابن عطية (٧) وأبو البقاء (٨) : فإن الله غفور لهنّ ، أي : للمكرهات ، فعريت جملة الجزاء عن (٩) رابط يربطها باسم الشرط ، ولا يقال : إن الرابط هو الضمير المقدر الذي هو فاعل المصدر ؛ إذ التقدير : من بعد إكراههم (١٠) لهنّ ، فليكتف (١١) بهذا الرابط المقدر ، لأنهم لم يعدوا ذلك من الروابط ، تقول : هند عجبت من ضربها زيدا (١٢) فهذا جائز ، ولو قلت : هند عجبت من ضرب زيد : أي : من ضربها ، لم يجز ، لخلوها من الرابط وإن كان مقدرا(١٣). ولما
__________________
(١) ما بين القوسين في ب : غفور رحيم حسن.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣.
(٣) عند قوله تعالى : «قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» [البقرة : ٩٧]. وذكر هناك ما ملخصه أنه لا يجوز أن يكون «فإنه نزله» جوابا للشرط ، لأنه لا بد في جملة الجزاء من ضمير يعود على اسم الشرط ، فلا يجوز من يقم فزيد منطلق ، ولا ضمير في قوله : «فإنه نزله» يعود على «من» فلا يكون جوابا للشرط. انظر اللباب ١ / ٢٢٢.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٣.
(٦) الكشاف ٣ / ٧٦.
(٧) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٠٣.
(٨) التبيان ٢ / ٩٦٩.
(٩) في ب : على.
(١٠) في ب : إكراههنّ.
(١١) في ب : فليكبت. وهو تحريف.
(١٢) زيدا : سقط من الأصل.
(١٣) لأن الفاعل المحذوف لا يعد من الروابط ، أي أن الرابط إذا كان ضميرا وهو فاعل لم يجز حذفه ، ولذا قال بعضهم لا يجوز حذف الضمير (الرابط) إلا بخمسة شروط : أن لا يكون فاعلا ولا نائبا عنه ، ولا مؤديا إلى لبس نحو زيد ضربته في داره ، ولا إلى إخلال نحو زيد قام غلامه ، لأن حذفه يخل بالتعريف الذي استفاده الغلام منه ، ولا إلى التهيئة والقطع وذكر النحاة أن الخبر إذا كان جملة فإن كانت نفس المبتدأ في المعنى فلا تحتاج إلى رابط نحو أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله. وإن لم تكن نفس المبتدأ في المعنى ، فلا بد من وجود رابط يربطها بالمبتدأ يعود من جملة الخبر عليه ، وهو أحد هذه الأشياء :
أ ـ الضمير نحو زيد أبوه قائم ، ويحذف عند أمن اللبس نحو السمن منوان بدرهم أي منه.
ب ـ اسم الإشارة نحو قوله تعالى (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف : ٢٦].
ج ـ تكرار المبتدأ بلفظه نحو قوله تعالى (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ١].
د ـ العموم نحو زيد نعم الرجل. وقول الشاعر : فأما القتال لا قتال لديكم.
ه ـ أو وقع بعدها جملة مشتملة على ضميره بشرط كونها إما معطوفة بالفاء نحو زيد مات عمرو فورثه ، وقوله :
وإنسان عيني يحسر الماء تارة |
|
فيبدو وتارات يجمّ فيغرق ـ |