والثاني : أن الذي تقدم ذكره فيه وجوه يقتضي كونه واحدا ، كقوله : (كَمِشْكاةٍ)(١) وقوله : (فِيها مِصْباحٌ)(١) وقوله : (فِي زُجاجَةٍ)(١) وقوله : (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)(١) ، ولفظ «البيوت» جمع ، ولا يصح كون هذا الواحد في كل البيوت.
وأجيب عن الأول : أن المصباح الموضوع في الزجاجة الصافية إذا كان في المساجد كان أعظم وأضخم ، فكان أضوأ ، فكان التمثيل به أتم وأكمل.
وعن الثاني : أنه لما كان القصد بالمثل هذا الذي له هذا الوصف فيدخل تحته كل مشكاة فيها مصباح في زجاجة يتوقد من الزيت ، فتكون الفائدة في ذلك أن ضوءه (٢) يظهر في هذه البيوت بالليالي عند الحاجة إلى عبادة الله تعالى ، كقولك : «الذي يصلح لخدمتي رجل يرجع إلى علم وقناعة يلزم بيته» لكان وإن ذكر بلفظ الواحد ، فالمراد النوع ، فكذا ههنا (٣).
الثالث : أنه (٤) صفة ل «زجاجة» (٥) ..
الرابع : أنه يتعلق ب «يوقد» (٦) أي : يوقد في بيوت ، والبيوت هي المساجد قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : المساجد بيوت الله في الأرض ، وهي تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض (٧). وعلى هذه الأقوال الأربعة لا يوقف على «عليم» (٨).
الوجه الخامس : أنه متعلق بمحذوف كقوله : (فِي تِسْعِ آياتٍ)(٩) أي : سبحوه في بيوت(١٠).
السادس : أنه متعلق ب «يسبّح» أي : يسبح رجال في بيوت ، و «فيها» تكرير للتوكيد كقوله : (فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها)(١١)(١٢) وعلى هذين القولين فيوقف على «عليم» (١٣).
قوله : (أَذِنَ اللهُ) في محل جر صفة ل «بيوت» ، و «أن ترفع» على حذف الجار ، أي : في أن ترفع. ولا يجوز تعلق «في بيوت» بقوله : «ويذكر» لأنه عطف
__________________
(١) من الآية السابقة.
(٢) في ب : يضؤه.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢.
(٤) أنه : سقط من ب.
(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٧٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.
(٦) نقله ابن عطية وأبو حيان عن الرماني. تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٧ ، التبيان ٢ / ٩٧٠.
(٧) انظر القرطبي ١٢ / ٢٦٥.
(٨) انظر منار الهدى في بيان الوقف والابتدا (٢٦٨) ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.
(٩) من قوله تعالى : «وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ» [النمل : ١٢].
(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٧٧.
(١١) من قوله تعالى : «وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها» [هود : ١٠٨].
(١٢) انظر الكشاف ٣ / ٧٧ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٣ ، البيان ٢ / ١٩٦ ، التبيان ٢ / ٩٧١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.
(١٣) انظر منار الهدى في بيان الوقف والابتدا (٢٦٧) ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٨.