بالذكر في هذه المساجد ، لأنه ليس على النساء جمعة ولا جماعة في المسجد (١). «لا (٢) تلهيهم» : تشغلهم ، «تجارة» قيل : خص التجارة بالذكر ، لأنها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الصلاة والطاعات.
قال الحسن : أما والله إنهم كانوا يتجرون ، ولكن إذا جاءتهم فرائض الله لم يلههم عنها شيء ، فقاموا بالصلاة والزكاة (٣). فإن قيل : البيع داخل في التجارة ، فلم أعاد البيع؟ فالجواب من وجوه (٤) :
الأول : أن التجارة جنس يدخل تحته أنواع الشراء والبيع ، وإنما خص البيع بالذكر لأن الالتهاء به أعظم ، لكون (٥) الربح الحاصل من البيع معين ناجز ، والربح الحاصل من الشراء مشكوك مستقبل.
الثاني : أن البيع تبديل العرض بالنقدين (٦) ، والشراء بالعكس ، والرغبة في تبديل النقد أكثر من العكس.
الثالث : قال الفراء : التجارة لأهل الجلب ، يقال : تجر فلان في كذا : إذا جلبه من غير بلده ، والبيع ما باعه على يديه (٧).
الرابع : أراد بالتجارة الشراء وإن كان اسم التجارة يقع على البيع والشراء جميعا ، لأنه ذكر البيع بعده كقوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً)(٨) يعني : الشراء (٩).
قوله : (عَنْ ذِكْرِ اللهِ) عن حضور المساجد لإقامة الصلاة. فإن قيل : فما معنى قوله : «وإقام الصّلاة؟» فالجواب قال ابن عباس : المراد بإقامة الصلاة : إقامتها لمواقيتها ، لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة.
ويجوز أن يكون قوله : «الصّلاة» تفسيرا لذكر الله ، فهم يذكرون قبل الصلاة (١٠).
قال الزجاج : وإنما حذفت الهاء ، لأنه يقال : أقمت الصلاة إقامة ، وكان الأصل : إقواما ، ولكن قلبت الواو ألفا ، فاجتمعت ألفان ، فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين فبقي : أقمت الصلاة إقاما ، فأدخلت الهاء عوضا من المحذوف ، وقامت الإضافة هاهنا في التعويض مقام الهاء المحذوفة ، وهذا إجماع من النحويين (١١).
__________________
(١) انظر القرطبي ١٢ / ٢٧٩.
(٢) لا : سقط من ب.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٤.
(٤) في ب : وجهين. وهو تحريف.
(٥) في ب : لأن.
(٦) في ب : بالتعديل.
(٧) معاني القرآن ٢ / ٢٥٣.
(٨) [الجمعة : ١١].
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٤ ـ ٥.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥.
(١١) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٦.