الإيمان ، يدل عليه قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ)(١).
فصل
وأما تقرير المثل فهو أن البحر اللجي يكون قعره مظلما جدا بسبب غور الماء ، فإذا ترادفت عليه الأمواج ازدادت الظلمة ، فإذا كانت فوق الأمواج سحاب بلغت الظلمة النهاية القصوى ، فالواقع في قعر هذا البحر اللّجّيّ في نهاية شدة الظلمة. ولما كانت العادة في اليد أنها من أقرب (٢) ما يراها ، وأبعد ما يظن أنه لا يراها ، فقال تعالى : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) فبين سبحانه بهذا بلوغ تلك الظلمة التي هي أقصى النهايات ، ثم شبه الكافر في اعتقاده ، وهو ضد المؤمن في قوله تعالى : (نُورٌ عَلى نُورٍ)(٣) وفي قوله : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ)(٤). ولهذا قال أبي بن كعب : الكافر يتقلب في خمس من الظلم : كلامه ظلمة ، وعمله ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومخرجه ظلمة (٥) ، ومصيره إلى الظلمات إلى النار.
وفي كيفية هذا التشبيه وجوه :
الأول : قال الحسن : «إن الله تعالى ذكر ثلاثة أنواع من الظلمات ظلمة البحر ، وظلمة الأمواج ، وظلمة السحاب ، كذا (٦) الكافر له ظلمات ثلاث : ظلمة الاعتقاد ، وظلمة القول ، وظلمة العمل».
الثاني : قال ابن عباس : «شبه قلبه وسمعه وبصره بهذه الظلمات الثلاث».
الثالث : أن الكافر لا يدري ، ولا يدري أنه لا يدري ، ويعتقد أنه يدري ، فهذه المراتب الثلاث تشبه تلك الظلمات الثلاث (٧).
الرابع : قلب مظلم في صدر مظلم في جسد مظلم.
الخامس : أن هذه الظلمات متراكمة ، فكذا الكافر لشدة إصراره على كفره قد تراكمت عليه الضلالات حتى لو ذكر عنده أظهر الدلائل لم يفهمه (٨).
قوله : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ).
قال ابن عباس : من لم يجعل الله له دينا وإيمانا فلا دين له (٩). وقيل : من لم (١٠) يهده الله (فلا إيمان له) (١١) ولا يهديه (١٢) أحد (١٣). قال أهل السنة : إنه تعالى لما وصف
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨.
(٢) في ب : قرب.
(٣) من الآية (٢٥) من السورة نفسها.
(٤) [الحديد : ١٢].
(٥) في ب : ظلم.
(٦) في ب : كذلك.
(٧) الثلاث : سقط من ب.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨ ـ ٩.
(٩) انظر القرطبي ١٢ / ٢٨٥.
(١٠) لم : سقط من الأصل.
(١١) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٢) في ب : فلا.
(١٣) انظر القرطبي ١٢ / ٢٨٦.