منقول عن قتادة ، وأنكره الجمهور ، ثم اختلفوا : فقيل : كان ذلك في صدر الإسلام ، فنسخ بقوله عليهالسلام (١) : «لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفس منه» (٢) ويدل على هذا النسخ قوله تعالى : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ)(٣) وكان في أزواج الرسول (٤) من لهنّ الآباء والأخوات ، فعم بالنهي عن دخول بيوتهن إلا بالإذن (٥) في الأكل. فإن قيل : إنما أذن الله تعالى في هذه الآية ، لأن المسلمين لم يكونوا يمنعون قراباتهم هؤلاء من أن يأكلوا في بيوتهم ، حضروا أو غابوا ، فجاز أن يرخص في ذلك؟
فالجواب (٦) : لو كان الأمر كذلك لم يكن لتخصيص (٧) هؤلاء الأقارب بالذكر معنى ، لأن غيرهم كهم في ذلك. وقال أبو مسلم : المراد من هؤلاء الأقارب إذا لم يكونوا مؤمنين ، لأنه تعالى نهى من قبل عن مخالطتهم بقوله : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ)(٨) ثم إنه تعالى أباح في هذه الآية ما حظره هناك ، قال : ويدل عليه أن في هذه السورة (أمر بالتسليم على أهل البيوت فقال : (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها)(٩) وفي بيوت هؤلاء المذكورين لم يأمر بذلك ، بل) أمر أن يسلموا على أنفسهم ، فالمقصود من هذه الآية إثبات الإباحة في الجملة لا إثبات الإباحة في جميع الأوقات.
وقيل : لما علم بالعادة أن هؤلاء القوم تطيب نفوسهم بأكل من يدخل عليهم ، والعادة كالإذن ، فيجوز أن يقال : خصهم الله بالذكر لأن هذه العادة في الأصل توجد منهم ، ولذلك ضم إليهم (١٠) الصديق ، ولما علمنا أن هذه الإباحة إنما حصلت لأجل حصول الرضا فيها ، فلا حاجة إلى النسخ(١١).
قوله : (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ).
قال ابن عباس : عنى بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته ، لا بأس عليه أن يأكل من ثمر ضيعته ويشرب من لبن ماشيته ، ولا يحمل ولا يدخر ، وملك المفتاح : كونه في يده وحفظه (١٢) قال المفضل : «المفاتح» واحدها «مفتح» بفتح الميم ، وواحد
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) أخرجه الإمام أحمد ٥ / ٧٢.
(٣) [الأحزاب : ٥٣].
(٤) في ب : النبي.
(٥) في ب : بإذن.
(٦) في ب : والجواب.
(٧) في ب : التخصيص.
(٨) [المجادلة : ٢٢].
(٩) [النور : ٢٧].
(١٠) في النسختين : إليها. والتصويب من الفخر الرازي.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٥ ـ ٣٦.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٦ ـ ٣٧.