يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه ، فإذا أمسى ولم يجد أحدا أكل. هذا قول قتادة والضحاك وابن جريج (١). وقال عطاء الخراساني عن ابن عباس : كان الغني يدخل على الفقير من ذوي قرابته وصداقته فيدعوه إلى طعامه ، فيقول : والله إني لأحتج ، أي : أتحرج أن آكل معك ، وأنا غني وأنت فقير ، فنزلت هذه الآية (٢) وقال عكرمة وأبو صالح : «نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلّا مع ضيفهم ، فرخص لهم في أن يأكلوا كيف شاءوا جميعا مجتمعين ، أو اشتاتا متفرقين» (٣). وقال الكلبي : «كانوا إذا اجتمعوا ليأكلوا طعاما عزلوا للأعمى طعاما على (٤) حدة ، وكذلك (٥) المزمن والمريض ، فبيّن الله لهم أن ذلك غير واجب» (٦). قوله : «جميعا» حال من فاعل «تأكلوا» ، و «أشتاتا» (٧) عطف عليه (٨) ، وهو جمع «شتّ» و «شتّى» جمع «شتيت». و «شتّان» تثنية «شت» (٩). قال (١٠) المفضل : وقيل : الشت : مصدر بمعنى : التفرق ، ثم يوصف به ويجمع (١١).
قوله : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ). أي : ليسلم بعضكم على بعض ، جعل أنفس المسلمين كالنفس الواحدة ، كقوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)(١٢). قال ابن عباس : «فإن لم يكن أحد فعلى نفسه يسلم ، ليقل : السلام علينا من قبل ربنا» (١٣).
قال جابر وطاوس والزهري وقتادة والضحاك وعمرو بن دينار : «إذا دخل الرجل بيت نفسه يسلم على أهله ومن في بيته» (١٤). وقال قتادة : «إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك ، فهم أحق من سلمت عليهم ، وإذا دخلت بيتا لا أحد فيه فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، حدثنا أن الملائكة ترد عليه» (١٥) وعن ابن عباس في قوله : «فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم» قال : «إذا دخلت المسجد فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» (١٦). قال القفال : «وإن كان في البيت أهل الذمة فليقل : السلام على من اتبع الهدى» (١٧).
قوله : «تحيّة» منصوب على المصدر من معنى «فسلّموا» (١٨) فهو من باب : قعدت
__________________
(١) انظر البغوي ٦ / ١٥٠ ، والفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.
(٢) انظر البغوي ٦ / ١٥٠.
(٣) انظر البغوي ٦ / ١٥٠ والفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.
(٤) في الأصل : عن.
(٥) في ب : ولذلك.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.
(٧) في ب : أو أشتاتا.
(٨) انظر البيان ٢ / ٢٠٠.
(٩) الشت : الافتراق والتفريق ، وجاء القوم أشتاتا : متفرقين ، واحدهم شت والشت : المتفرق ، وتثنيته شتان وجمعه : أشتات. اللسان (شتت).
(١٠) في الفخر الرازي : قاله.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.
(١٢) [النساء : ٢٩].
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.
(١٤) انظر البغوي ٦ / ١٥٠.
(١٥) انظر البغوي ٦ / ١٥٠ ، والفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.
(١٦) المرجعان السابقان.
(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٧ ـ ٣٨.
(١٨) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢٨ ، الكشاف ٣ / ٨٦ ، البيان ٢ / ٢١٠ ، التبيان ٢ / ٩٧٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٧٥.