قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) تعظيما لك ورعاية للأدب (أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) أي : يعملون بموجب الإيمان ومقتضاه. قال الضحاك ومقاتل : المراد : عمر بن الخطاب ، وذلك أنه استأذن في غزوة تبوك في الرجوع إلى أهله ، فأذن له ، وقال : «انطلق ، فو الله ما أنت بمنافق» يريد أن يسمع المنافقين ذلك الكلام ، فلما سمعوا ذلك قالوا ما بال محمد (١) إذا استأذنه أصحابه أذن لهم ، وإذا استأذناه أبى ، فو الله ما نراه يعدل (٢).
قال ابن عباس : إن عمر استأذن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في العمرة ، فأذن له ، ثم قال : «يا أبا حفص (٣) لا تنسنا في صالح دعائك» (٤).
قوله : «لبعض شأنهم» تعليل ، أي : لأجل بعض حاجتهم. وأظهر العامة الضاد عند الشين. وأدغمها أبو عمرو فيها ، لما بينهما من التقارب ، لأن الضاد من أقصى حافة اللسان والشين من وسطه(٥). وقد استضعف جماعة من النحويين (٦) هذه الرواية واستبعدوها عن أبي عمرو ـ رأس الصناعة ـ من حيث إن الضاد أقوى من الشين ، ولا يدغم الأقوى في الأضعف وأساء الزمخشري (٧) على راويها السوسيّ (٨). وقد أجاب الناس عنه ، فقيل : وجه الإدغام أن الشين أشد استطالة من الضاد ، وفيها تفشّي (٩) ليس في الضاد ، فقد صارت الضاد أنقص منها ، وإدغام الأنقص في الأزيد جائز ، قال (١٠) :
__________________
(١) في ب : محمدا.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٩.
(٣) في ب : أبا جعفر.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٩.
(٥) انظر النشر ١ / ٢٩٣.
(٦) منهم ابن يعيش فإنه قال : (والحق أن ذلك إخفاء واختلاس للحركة فظنها الراوي إدغاما) شرح المفصل ١٠ / ١٤٠.
(٧) فإنه قال في المفصل : (وأما ما رواه أبو شعيب السوسي عن اليزيدي أن أبا عمرو كان يدغمها في الشين في قوله تعالى : «لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ» فما برئت عن عيب) متن المفصل ـ ابن يعيش ١٠ / ١٤٠.
(٨) هو صالح بن زياد بن عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن الجارود أبو شعيب السوسي الرقي مقرىء ضابط محرر ثقة ، أخذ القراءة عرضا وسماعا عن أبي محمد اليزيدي وحفص عن عاصم ، وروى القراءة عنه ابنه أبو المعصوم محمد ، وموسى بن جرير النحوي ، وغيرهما ، مات سنة ٢٦١ ه.
طبقات القراء ١ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣.
(٩) في النسختين : نفس. والصواب ما أثبته.
(١٠) القائل ابن مجاهد ، ولم يجر له ذكر قبل ذلك ، والنص الذي ذكره ابن عادل ذكره ابن يعيش في شرحه على المفصل ، قال : (قال ابن مجاهد: لم يرو عنه (أي : أبي عمرو) هذا إلا أبو شعيب السوسي ، وهو خلاف قول سيبويه ، ووجهه أن الشين أشد استطالة من الضاد ، وفيه تفشّ ليس في الضاد ، فقد صارت الضاد أنقص منها ، وإدغام الأنقص في الأزيد جائز ، ويؤيد ذلك أن سيبويه حكى أن بعض العرب قال : اطجع في اضطجع ، وإذا جاز إدغامها في الطاء فإدغامها في الشين أولى) ابن يعيش ١٠ / ١٤٠.