قال الجبائي : يحتمل في قوله : «وأعتدنا» أن المراد منه نار الدنيا ، وبها نعذب الكفار والفساق في قبورهم ، ويحتمل نار الآخرة ، ويكون المعنى : «وأعتدنا» أي : سنعدّها (١) ، كقوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) [الأعراف : ٤٤]. وهذا جواب ساقط ، لأن المراد من السعير إما نار الدنيا ، أو نار الآخرة ، فإن كان الأول فإما أن يكون المراد أنه تعالى يعذبهم في الدنيا بنار الدنيا ، أو يعذبهم في الآخرة بنار الدنيا (٢) والأول باطل ، لأنه تعالى ما عذبهم بالنار في الدنيا ، والثاني ـ أيضا ـ باطل ؛ لأنه لم يقل أحد من الأمة إنه تعالى يعذب الكفرة في الآخرة بنيران الدنيا. فثبت أن المراد نار الآخرة وأنها معدة.
وأما حمل الآية على أن الله تعالى سيجعلها معدة فترك للظاهر من غير دليل (٣). قوله : (إِذا رَأَتْهُمْ) هذه الجملة الشرطية في موضع نصب صفة ل «سعيرا» (٤) ، لأنه مؤنث بمعنى النار.
قوله : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) فإن قيل : التّغيّظ لا يسمع. فالجواب من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه على حذف مضاف ، أي : صوت تغيظها (٥).
والثاني : أنه على حذف تقديره : سمعوا ورأوا تغيظا وزفيرا ، فيرجع كل واحد إلى ما يليق به ، أي: رأوا تغيظا وسمعوا زفيرا (٦).
والثالث (٧) : أن يضمن «سمعوا» معنى يشمل الشيئين ، أي : أدركوا لها تغيظا وزفيرا (٨).
وهذان الوجهان الأخيران منقولان من قوله :
٣٨٦٥ ـ ورأيت زوجك في الوغى |
|
متقلّدا سيفا ورمحا (٩) |
ومن قوله :
٣٨٦٦ ـ علفتها تبنا وماء باردا (١٠)
أي : ومعتقلا رمحا ، وسقيتها ماء ، أو (١١) يضمّن (متقلّدا) معنى متسلحا ،
__________________
(١) في ب : سعدها.
(٢) في ب : الآخرة. وهو تحريف.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٥.
(٤) في الآية التي تسبقها : (١١). انظر التبيان ٢ / ٩٨١.
(٥) انظر البيان ٢ / ٢٠٢.
(٦) في ب : وزفيرا سمعوا.
(٧) في ب : الثاني. وهو تحريف.
(٨) انظر الوجهين في البحر المحيط ٦ / ٤٨٥.
(٩) من مجزوء الكامل ، قاله عبد الله بن الزبعرى ، شرح المفصل ٢ / ٥٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٥ ، وروي : يا ليت زوجك قد غدا. وروي أيضا : يا ليت بعلك في الوغى. وقد تقدم.
(١٠) رجز قاله ذو الرمة ، وبعده :
حتّى شتت همالة عيناها
وتقدم تخريجه في سورة الحج.
(١١) في ب : و.