جبريل ـ عليهالسلام ـ فلما أنزله مفرقا منجما بقي ذلك المنصب العالي عليه ، فلذلك جعلة الله تعالى منجما(١).
فصل (٢)
قوله : «كذلك» يحتمل أن يكون من تمام (٣) كلام المشركين ، أي : جملة واحدة كذلك أي كالتوراة والإنجيل. ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى ذكره جوابا لهم ، أي : كذلك أنزلناه ، مفرقا (٤). فإن قيل : «كذلك» إشارة إلى شيء تقدمه ، والذي تقدمه هو إنزالة جملة ، (فكيف فسره ب «كذلك أنزلناه») (٥) مفرقا؟
فالجواب : أن الإشارة (إلى الإنزال مفرقا لا إلى جملة (٦). قوله : (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) الترتيل : التفريق ومجيء الكلمة بعد الأخرى بسكوت) (٧) يسير دون قطع النفس ، ومنه ثغر (٨) رتل ومرتل ، أي: مفلج الأسنان بين أسنانه فرج يسيرة (٩). قال الزمخشري : ونزل هنا بمعنى أنزل لا غير كخبر بمعنى أخبر وإلا تدافعا (١٠). يعني أن نزل بالتشديد يقتضي بالأصالة التنجيم والتفريق ، فلو لم يجعل بمعنى أنزل الذي لا يقتضي ذلك ، لتدافع (١١) مع قوله «جملة» لأن الجملة تنافي التفريق ، وهذا بناء منه على معتقده ، وهو أن التضعيف يدل على التفريق ، وقد نص على كذلك في مواضع من الكشاف في سورة البقرة (١٢) ، وأول (١٣) آل عمران (١٤) ، وآخر الإسراء (١٥) ، وحكى هناك عن ابن عباس ما يقوي ظاهره صحة قوله (١٦).
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٩.
(٢) في الأصل : قوله. وهو تحريف.
(٣) تمام : سقط من ب.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٩.
(٥) ما بين القوسين سقط من الأصل ، وعلى هامشه : لعله : لا اتزالة.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٩.
(٧) ما بين القوسين سقط من ب.
(٨) الثغر : الفم. وقيل : هو اسم الأسنان كلها ما دامت في منابتها قبل أن تسقط ، وقيل : هي الأسنان كلها ، كن في منابتها أو لم تكن ، اللسان (ثغر).
(٩) انظر اللسان (رتل).
(١٠) في الكشاف : وإلا كان متدافعا. الكشاف ٣ / ٩٦.
(١١) في ب : التدافع.
(١٢) عند قوله تعالى : «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا» [البقرة : ٢٣]. قال الزمخشري : (فإن قلت : لم قيل «مِمَّا نَزَّلْنا» على لفظ التنزيل؟ قلت : لأن المراد النزول على سبيل التدريج والتنجيم ، وهو من مجازه لمكان التحدي) الكشاف ١ / ٤٧.
(١٣) في ب : وأول سورة.
(١٤) عند قوله تعالى : «نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ» [آل عمران : ٣]. قال الزمخشري: (فإن قلت : لم قيل : نزّل الكتاب وأنزل التوراة والإنجيل؟ قلت : لأن القرآن نزل منجما ونزل الكتابان جملة) الكشاف ١ / ١٧٤.
(١٥) عند قوله تعالى : «وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً»[الإسراء : ١٠٦]. قال الزمخشري : (وقرأ أبيّ «فرقناه» بالتشديد ، أي : جعلنا نزوله مفرقا منجما ... «وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً» على حسب الحوادث) الكشاف ٢ / ١٣٨.
(١٦) قال الزمخشري عند قوله «وَقُرْآناً فَرَقْناهُ ... الآية» [الإسراء : ١٠٦] : (وعن ابن عباس رضي الله عنه ـ