الصلاة والسلام ـ كان أحسن منهم صورة وخلقة) (١) ، وبتقدير أنه لم يكن كذلك ، لكنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما كان يدعي التميز عنهم بالصورة بل بالحجة. والثاني باطل ، لأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ادّعى التميز عليهم بظهور المعجز عليه دونهم ، وأنهم ما قدروا على القدح في حجته ، ففي الحقيقة هم الذين يستحقون أن يهزأ بهم ، ثم إنهم لوقاحتهم (٢) قلبوا القضية ، واستهزءوا بالرسول ، وذلك يدل على (أنه ليس للمبطل في كل الأوقات) (٣) إلا السفاهة والوقاحة.
والنوع الثاني : قولهم : (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) فسمّوا ذلك ضلالا ، وذلك يدل على أنهم كانوا مبالغين في تعظيم آلهتهم ، ويدل على جده واجتهاده في صرفهم عن عبادة الأوثان فلهذا قالوا : (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) ، وذلك يدل على أنهم كانوا مقهورين بالحجة ، ولم يكن في أيديهم إلا مجرد (الوقاحة (٤)) (٥).
قوله : «من (٦) أضل» جملة استفهامية معلقة ب «يعلمون» فهي سادّة مسدّ مفعوليها (٧) إن كانت على بابها ، ومسدّ واحد إن كانت بمعنى (عرف) (٨)(٩). ويجوز في «من» أن تكون موصولة ، و «أضلّ» خبر مبتدأ مضمر هو العائد على «من» تقديره : من هو أضل ، وإنما حذف للاستطالة(١٠) بالتمييز ، كقولهم : ما أنا بالذي (١١) قائل لك سوءا (١٢). وهذا ظاهر إن كانت متعدية لواحد ، وإن كانت متعدية لاثنين فيحتاج (١٣) إلى تقدير ثان (١٤) ولا حاجة إليه.
__________________
(١) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(٢) في ب : مواقحتهم.
(٣) ما بين القوسين في ب : أن المبطل ليس.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨٥.
(٥) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(٦) في الأصل : ومن. وهو تحريف.
(٧) في ب : مفعولهما. وهو تحريف.
(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٥٠٠ ـ ٥٠١.
(٩) ما بين القوسين في ب : حرف. وهو تحريف.
(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٥٠١.
(١١) في ب : الذي.
(١٢) هذا قول من أقوال العرب على ما ذكر النحاة ، والشاهد فيه حذف الضمير العائد على الذي ، والأصل : ما أنا بالذي هو قائل لك سوءا. انظر الكتاب ٢ / ١٠٨ ، ٤٠٤. يجوز حذف العائد المرفوع بشرطين إذا كان مبتدأ غير منسوخ ، وكان مخبرا عنه بمفرد ، ولا يكثر الحذف للضمير المرفوع في صلة غير (أي) عند البصريين إلا إن طالت الصلة إما بمعمول الخبر أو بغيره ، سوءا ؛ تقدم المعمول على الخبر نحو (وهو الذي في السماء إله) ، أو تأخر نحو قولهم : ما أنا بالذي قائل لك سوءا ؛ حكاه الخليل ، ويستثنى من اشتراط الطول : لا سيما زيد ، فإنهم جوزوا في زيد إذا رفع أن تكون (ما) موصولة ، وزيد خبر مبتدأ محذوف وجوبا والتقدير : لا سيّ الذي هو زيد ، فحذف العائد وجوبا ولم تطل الصلة والكوفيون لا يشترطون في حذف العائد المرفوع استطالة الصلة. انظر شرح التصريح ١ / ١٤٣ ـ ١٤٤.
(١٣) في ب : يحتاج.
(١٤) أي إلى مفعول ثان.