والثاني : أنها جملة معترضة بين (إذا) وجوابها. وجوابها هو ذلك القول المضمر المحكي به(١)(أَهذَا الَّذِي) والتقدير : وإذا رأوك قالوا أهذا الذي (٢) بعث ، فاعترض (٣) بجملة النفي ، ومفعول «بعث» محذوف هو (٤) عائد الموصول (٥) ، أي : بعثه (٦). و «رسولا» على بابه من كونه صفة فينتصب على الحال ، وقيل : هو مصدر بمعنى رسالة (٧) ، فيكون على حذف مضاف ، أي ذا رسول بمعنى رسالة ، أو يجعل نفس المصدر مبالغة ، أو بمعنى : مرسل (٨). (٩) وهو تكلف.
قوله : (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) تقدم نظيره في سبحان (١٠).
قوله : (لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا) جوابها محذوف ، أي : لضللنا (١١) عن آلهتنا. قال الزمخشري : و «لو لا» في مثل (١٢) هذا الكلام جار (١٣) من حيث المعنى لا من حيث الصيغة مجرى التقيد للحكم (المطلق) (١٤)(١٥).
فصل
قال المفسرون : إن أبا جهل كان إذا مر بأصحابه على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال مستهزءا : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) (إِنْ كادَ) قد كاد «ليضلّنا» أي : قد قارب أن يضلنا (١٦) عن آلهتنا لو لا أن صبرنا عليها أي : (أي لو لم نصبر عليها) (١٧) انصرافا (١٨) عنها ، (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) من أخطأ طريقا (١٩). (واعلم أن الله تعالى أخبر عن المشركين أنهم متى رأوا الرسول ـ عليه الصلاة السلام ـ أتوا بنوعين من الأفعال. أحدهما : الاستهزاء ، فيقولون : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) وذلك جهل عظيم ، لأن الاستهزاء إما أن يكون بصورته أو بصفته(٢٠) والأول باطل ، لأنه ـ عليه
__________________
(١) به : سقط من ب.
(٢) الذي : سقط من ب.
(٣) في ب : فأعرض.
(٤) في الأصل : أي هو.
(٥) الموصول : مكرر في ب.
(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٥٠٠.
(٧) قالهما ابن الأنباري. البيان ٢ / ٢٠٥.
(٨) انظر التبيان ٢ / ٩٨٧.
(٩) المرجع السابق.
(١٠) عند قوله تعالى : «وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ» من الآية (٧٣). (إن) هذه فيها المذهبان المشهوران ، مذهب البصريين أنها مخففة من الثقيلة ، واللام فارقة بينها بين (إن) النافية ، ولهذا دخلت على فعل ناسخ. ومذهب الكوفيين أنها بمعنى (ما) النافية واللام بمعنى (إلا).
انظر اللباب ٥ / ٣٠١.
(١١) في ب : أضللنا.
(١٢) مثل : سقط من ب.
(١٣) في ب : جاز. وهو تصحيف.
(١٤) الكشاف ٣ / ٩٨.
(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٦) في ب : أو ليضلنا.
(١٧) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٨) في ب : انصرفنا.
(١٩) انظر البغوي ٦ / ١٨٠.
(٢٠) في ب : أو بحقيقته.