الله مريد لكفر من يكفر قال : ودلّ (١) قوله : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) على قدرتهم على فعل هذا التذكر ؛ إذ لو لم يقدروا لما جاز أن يقال : أبوا أن يفعلوه ، كما لا يقال في الزمن أبى أن يسعى (٢).
وقال الكعبي : قوله : «ولقد صرّفناه بينهم ليذّكّروا» (حجة على من زعم أن القرآن وبال على الكافرين ، وأنه لم يرد بإنزاله أن يؤمنوا ، لأن قوله : «ليذّكّروا») (٣) عامّ في الكل ، وقوله تعالى : (أَكْثَرُ النَّاسِ) يقتضي أن يكون هذا (٤) الأكثر داخلا في ذلك العام ، لأنه لا يجوز أن يقال أنزلناه على قريش ليؤمنوا فأبى أكثر بني تميم إلا كفورا. والجواب قد تقدم مرارا (٥).
قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) رسولا ينذرهم ، والمراد من ذلك تعظيم النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من وجوه :
أحدها : أنه تعالى بين أنه مع القدرة على بعثه نذيرا ورسولا في كل قرية خصه بالرسالة وفضّله بها على الكل ، ولذلك أتبعه بقوله : (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) أي : لا توافقهم. وثانيها : المراد : ولو شئنا لخففنا عنك أعباء الرسالة إلى كل العالمين و «لبعثنا في كلّ قرية نذيرا» ولكنا قصرنا الأمر عليك وأجللناك وفضلناك على سائر الرسل ، فقابل هذا الإجلال بالتشدّد (٦) في الدين.
وثالثها : أن الآية تقتضي مزج اللطف بالعنف ، لأنها تدل على القدرة على أن يبعث في كل قرية نذيرا مثل محمد ، وأنه لا حاجة بالحضرة الإلهية إلى محمد البتة.
وقوله : (وَلَوْ شِئْنا) يدل على أنه تعالى لا يفعل ذلك (٧). والمعنى : ولكن بعثناك إلى القرى كلها وحمّلناك ثقل نذارة (٨) جميعها لتستوجب بصبرك عليه ما أعتدنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة (٩). (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) فيما يدعونك إليه من موافقتهم وهذا يدل على أن النهي عن الشيء لا يقتضي كون المنهي عنه مشتغلا به (١٠).
قوله : (وَجاهِدْهُمْ بِهِ) أي : بالقرآن (١١) ، أو بترك الطاعة المدلول عليه بقوله : «فلا تطع» ، أو بما دل عليه «ولو شئنا لبعثنا في كلّ قرية نذيرا» من كونه نذير كافة القرى ، أو بالسيف (١١).
والأقرب الأول ؛ لأن السورة مكية ، والأمر بالقتال ورد بعد الهجرة بزمان ، فالمراد
بذل الجهد في الدعاء جهادا كبيرا شديدا.
__________________
(١) في ب : ويدل.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٩٩.
(٣) ما بين القوسين سقط من ب.
(٤) هذا : سقط من ب.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٩٩.
(٦) في ب : بالتشديد. وهو تصحيف.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٩٩.
(٨) نذارة : سقط من ب.
(٩) انظر البغوي ٦ / ١٨٥.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٠.
(١١) انظر القرطبي ١٣ / ٥٨.