وهذا مذهب ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وأبي حنفية وإسحاق الحنظلي (١)(٢).
وقال عبد الرحمن بن سابط (٣) : كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من أهل مكة أحق بمنزله منهم (٤). وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ينهى الناس أن يغلقوا أبوابهم في الموسم (١٦) وعلى هذا فالمراد ب (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الحرم كله ؛ لأن إطلاق لفظ المسجد الحرام وإرادة البلد (٥) الحرام جائز لقوله (٦) تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(٧). وأيضا فقوله: (الْعاكِفُ) المراد منه المقيم ، وإقامته لا تكون في المسجد بل في المنازل (٨). وقيل : «سواء العاكف فيه والبادي» في تعظيم حرمته وقضاء النسك به وإليه ذهب مجاهد والحسن وجماعة ، أي ليس للمقيم أن يمنع البادي وبالعكس ، قال عليهالسلام (٩) : «يا بني عبد المطلب من ولي منكم من أمور الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طائف بهذا البيت أو صلى أية ساعة من ليل أو نهار» (١٠) وهذا قول من أجاز بيع دور مكة(١١).
وقد جرت مناظرة (١٢) بين الشافعي وإسحاق الحنظلي بمكة وكان إسحاق لا يرخص في كراء بيوت مكة ، فاحتج الشافعي بقوله تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ)(١٣).
فأضاف الديار إلى مالكيها (١٤) أو إلى غير مالكيها (١٠). وقال عليهالسلام (١٥) يوم فتح مكة : «من أغلق بابه فهو آمن» (١٦) ، وقوله عليهالسلام (١١) : «هل ترك لنا عقيل من رباع» (١٧). وقد اشترى عمر بن الخطاب دار السجن ، أترى أنه اشتراها من مالكيها (١٨) أو من غير مالكيها (١٨).
__________________
(١) إسحاق الحنظلي. هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن مطر الحنظلي أبو محمد بن راهويه ، الإمام الفقيه الحافظ ، عن معتمر بن سليمان والدراوردي وابن عيينة وابن علية وغيرهم مات سنة ٢٣٨ ه. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ١ / ٦٩.
(٢) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٢٥.
(٣) تقدم.
(٤) انظر البغوي ٥ / ٥٧٠.
(٥) في الأصل : المسجد. وهو تحريف.
(٦) في الأصل : بقوله.
(٧) [الإسراء : ١].
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٥.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) أخرجه أحمد في مسنده ٤ / ٨٠ ، بروآية : (يا بني عبد مناف).
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٥.
(١٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٢٥.
(١٣) من قوله تعالى : «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ»[الحج : ٤٠].
(١٤) في ب : مالكها.
(١٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٦) أخرجه مسلم (جهاد) ٣ / ١٤٠٨ ، أحمد ٢ / ٢٩٢ ، ٥٣٨.
(١٧) روي عن أسامة بن زيد قال : قلت : يا رسول الله أتنزل غدا في دارك بمكة فقال : «وهل ترك لنا عقيل من رباع». انظر تفسير ابن كثير ٣ / ٢١٤.
(١٨) في ب : مالكها.