.........................................
____________________________________
قال : بل ما نصفتُ أنا علياً إذ قُتِلَ وبقيتُ.
قال : صف لي علياً.
فقال : إن رأيت أن تعفيني.
قال : لا أعفيك.
قال : كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول عدلاً ، ويحكم فصلاً ، تنفجر الحكمة من جوانبه والعلم من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل ووحشته ، وكان والله غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يحاسب نفسه إذا خلا ويقلّب كفّيه على ما مضى ، يعجبه من اللباس القصير ومن المعاش الخشن ، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويدنينا إذا أتيناه ، ونحن مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نكلّمه لهيبته ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته ، فإن تبسّم فعن اللؤلؤ المنظوم ، يعظّم أهل الدين ويتحبّب إلى المساكين ، لا يخاف القوي ظلمه ، ولا ييأس الضعيف من عدله.
فاُقسم لقد رأيته ليلة وقد مَثُل في محرابه ، وأرخى الليل سرباله وغارت نجومه ، ودموعه تتحادر على لحيته ، وهو يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، فكأنّي الآن أسمعه وهو يقول : يا دُنيا ألِيَّ تعرّضت أم إليّ أقبلت ، غُرّي غيري لا حان حينُك قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك ، فعيشُكِ حقير ، وخطرك يسير ، آه من قلّة الزاد وبُعد السفر وقلّة الأنيس.
قال : فوكفت عينا معاوية وجعل ينشفهما بكمّه.
ثمّ قال : يرحم الله أبا الحسن كان كذلك فكيف صبرُك عنه؟
قال : كصبر من ذُبح ولدُها في حِجرها فهي لا ترقأ دمعتها ولا تسكن عبرتها.
قال : فكيف ذكرك له؟