والصحيح أنها لا تقبل وإن تاب ؛ لأن حكم الاستثناأ أن يكون راجعا إلى ما يليه ، ولا يرجع إلى ما تقدمه ، إلا بدلالة ، ألا ترى أن قائلا لو قال لفلان علي عشرة درهم إلا ثلاثة درهم إلا درهما كان عليه ثمانية درهم ، لأن الدرهم مستثنى من الثلاثة ، هذا أصل الاستثناء.
وقد جاء في القرآن مثنا ولا لجميع المذكور ، وهو قوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [سورة المائدة آية : ٣٣] ، إلى قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) [سورة المائدة آية : ٣٣] ، فكان الاستثناء راجعا إلى جميع المذكور ، فيقول في ذلك أن الدلالة قد قامت في هذه الآية ، ولم تقم في الأول.
وقال الأوزاعي : لم تقبل شهادة محدود في قذف في الإسلام.
وقال أبو علي رحمهالله : تقبل شهادته إذا تاب ؛ لأنها إنما ترد عقوبة ، فإذا تاب سقطت العقوبة ، وقيل : ليس ذلك بشيء ؛ لأنه أيضا يحد عقوبة ، وإذا تاب لم يسقط الحد بالإجماع ، فكذلك الشهادة لا تقبل بالتوبة.
قلنا : وهذه المعارضة ليست بالصحيحة ؛ لأن الحد في القذف حتى لأدمي فلا يسقط بالتوبة وليست كذلك الشهادة.
وقال : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ)(١) [سورة ق آية : ٢١] ، يعني : الملك الذي حفظ عليه عمله في الدنيا يشهد عليه في الآخرة.
ومثله : (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) [سورة الزمر آية : ٦٩] ، يعني : الحفظة من الملائكة.
__________________
(١) قال الشوكاني : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) أي : جاءت كل نفس من النفوس معها من يسوقها ، ومن يشهد لها ، أو عليها.
واختلف في السائق والشهيد ، فقال الضحاك : السائق من الملائكة ، والشهيد من أنفسهم ، يعني : الأيدي والأرجل. وقال الحسن ، وقتادة : سائق يسوقها ، وشاهد يشهد عليها بعملها ، وقال ابن مسلم : السائق : قرينها من الشياطين ، سمي سائقا لأنه يتبعها وإن لم يحثها. وقال مجاهد : السائق والشهيد ملكان. وقيل : السائق : الملك ، والشهيد : العمل ، وقيل : السائق : كاتب السيئات ، والشهيد : كاتب الحسنات. [فتح القدير : ٧ / ٣٠]