النسيان
أصله الترك ، وسمي خلاف الذكر نسيانا ؛ لأن الناسي للشيء تارك له ، قال الله تعالى : (وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) [سورة مريم آية : ٢٣] ، أي : مغفولا عني متروكا ، والنسيان الذي هو خلاف الذكر يفعله الله في الإنسان عند اشتغاله عن حاجته ، وصرف الاهتمام عنها ، ونسبه الله إلى الشيطان في قوله تعالى : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ)(١) [سورة الكهف آية : ٦٣] ، لأنه كان نسيها عند وسوسته إياه.
وهو في القرآن على ثلاثة أوجه :
الأول : الترك ، قال الله : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) [سورة طه آية : ١١٥] ، ولم يذكر أنه نسى نهي الله إياه عن أكل الشجرة ؛ لأنه لو كان كذلك ، لم يكن له ذنب ولا عليه إثم ، وإنما المعنى أنه أكل من مثل الشجرة التي نهى عنها ، وظن أن النهي مقصور عليها ، وترك الدليل الذي لو اعتمد لدله على أن النهي عام في جميع الجنس فصار ذنبه ترك الدليل ، ومثله : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) [سورة البقرة آية : ٢٣٧] ، أي : استعملوه ولا تتركوه ، وقال : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [سورة التوبة آية : ٦٧] ، أي : تركوا طاعته فصارت عليهم بمنزلة المنسي فتركهم من رحمته.
__________________
(١) قال الرازي : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) فيه مباحث :
البحث الأول : أنه اعتراض وقع بين المعطوف والمعطوف عليه والتقدير فإني نسيت الحوت واتخذ سبيله في البحر عجبا ، والسبب في وقوع هذا الاعتراض ما يجري مجرى العذر والعلة لوقوع ذلك النسيان.
البحث الثاني : قال الكعبي : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) يدل على أنه تعالى ما خلق ذلك النسيان وما أراده وإلا كانت إضافته إلى الله تعالى أوجب من إضافته إلى الشيطان لأنه تعالى إذا خلقه فيه لم يكن لسعي الشيطان في وجوده ولا في عدمه ، أثر قال القاضي : والمراد بالنسيان أن يشتغل قلب الإنسان بوساوسه التي هي من فعله دون النسيان الذي يضاد الذكر لأن ذلك لا يصح أن يكون إلا من قبل الله تعالى.
البحث الثالث : قوله (أَنْ أَذْكُرَهُ) بدل من الهاء في (أَنْسانِيهُ) أي : وما أنساني ذكره إلا الشيطان. [مفاتيح الغيب : ١٠ / ٢٢٩].