افادة فائدة الخبر تارة ، ولازمها اخرى ، وغيرهما ثالثة ، من التحسّر كما في قوله : « هواي مع الركب اليمانين مصعد » (١) ، والتألّم كما في قولك : « الهواء حار » ، والتلذذ كما في قولك لصاحبك : « هذا الطعام لذيذ » وغير ذلك من الدواعي ، فكذلك قد تكون مستعملة فيها بداعي اظهار المحبوبية بمرتبتها الشديدة كي يصير واجبا ، أو الضعيفة كي يصير ندبا.
وفائدة العدول ـ عن انشائها بصيغة الامر الى الإخبار عن وقوع المطلوب ـ بيان شدة محبوبية صدور الفعل من المخاطب ، أو انّه ممن كان لم يترك بمجرد علمه بالطلب الواقعي المعبر عنه بالشوق المؤكد عقلا ، لا على مجرد انشائها كي يرد بعدم ترتب الفائدة المطلوبة حينئذ.
وتوهم : لزوم الكذب في كلام الحكيم حيث كان المخاطب تاركا للفعل معصية.
مدفوع : بأنّ الصدق انما كان بالنسبة الى ما هو المقصود الاصلي من سوق الكلام ، وهو ليس في المقام إلاّ الطلب ، فهما يدوران مداره وجودا وعدما ، لا مدار تحقق الفعل من المخاطب كما في الكنايات بالنسبة الى الغرض الاصلي من مثل ( زيد جبان الكلب ) أو ( كثير الرماد ) أو بالنسبة الى الإخبار عن السخاوة. هذا مضافا الى تبادر معانيها الإخبارية منها ولو في هذا المقام.
هذا كله مع انّ استعمالها في مثله امّا بتصرف في هيئاتها كما في ( زيد يمشي ) مقام ( امش ) خطابا أو في مرادها كما في هذا المثال مقام ( زيد مطلوب المشي ) بادراج الطلب في الهيئة أو في المادة بعد كون الانشاء نحو استعمال اللفظ
__________________
(١) صدر بيت لجعفر بن علبة بن ربيعة الحارثي المتوفى ١٤٥ من مخضرمي الدولتين الاموية والعباسية ومن شعراء الحماسة لابي تمام ؛ ( الاعلام ٢ : ١٢٥ ). والبيت بتمامه :
هواي مع الركب اليمانين مصعد |
|
جنيب وجثماني بمكة موثق |