بيانه : انّ المخترع لكل علم لا بد أن يلاحظ غرضا مهما أولا ، ثم الامور التي لها مدخلية في تحصيله فيجمعها ويدوّنها للوصول اليه ، مع كون تلك الامور متساوية الأقدام في حصول ذلك الغرض منها ؛ فتلك الامور مسائل ذلك العلم ومسمى له ، وذلك الغرض غايته. ولا بد لتلك المسائل من بعض امور يحصل بها تصور موضوعاتها ومحمولاتها ، واخرى يحصل بها التصديق بثبوت محمولاتها لموضوعاتها ، وتسمّى تلك الامور الاولى بالمبادئ التصورية والثانية بالمبادئ التصديقية.
ثم انّه لا بد أن تكون المسائل بحيث يحصل منها الغرض بلا واسطة ، وإلاّ فتكون داخلة في المبادئ ، فلا يرد النقض في علم الفقه ببعض مسائل الهيئة والحساب والاصول ـ بل اللغة والصرف وغيرها ـ بأنّ لها دخلا في غرض الفقه ، وفي علم الاصول ببعض مسائل علوم اخرى كذلك ، لانّ الدخل ان كان بعيدا فغير وارد وان كان قريبا فلا بد من الدخول فيه لذلك الغرض ، حيث انّ المهم تدوين العلم وذكر مسائله لاجل التوصل اليه ، وحينئذ فيكون هو معيار الدخول والتميز ، لا الموضوع ، لعدم تعلق غرض به بنفسه ، وحينئذ فيصح ذكر مسألة واحدة أو أزيد بموضوعها ومحمولها في علمين مع عدم ايراد التداخل ، لاختلاف الغرض ، وإلاّ فلو كان التميز بالموضوع لزم التداخل ولزم اشتمال علم واحد على علوم متعددة حقيقة.
نعم بعد تحديد المسائل بالغرض فلا بأس بذكر الجامع بين موضوعاتها موضوعا للعلم ، ثم بعد ذلك لو عدّ ذلك من أسباب التميز أيضا ـ زيادة للبصيرة ـ لا بأس به.
ثم [ انّ ] ما ذكرنا من صحة تداخل بعض العلوم مع بعض آخر ـ بعد اختلاف الغرض ـ انما يصح اذا كان التداخل في مسألة أو أزيد ، لا في تمام المسائل.