فيكون الفارق بينهما في مجرد الارادة المقومة للاستعمال.
ثم انّ الانشاء لو تعلق بالطلب كما في قولك : « اضرب » يحصل منه فائدة الاخبار في مثل قولك : « أطلب منك الضرب اخبارا » حيث انّ انشاء بعث المخاطب الى فعل يكشف عن كونه طالبا له قلبا ، ولذلك قيل انّ الانشاء في حكم الاخبار الخ ؛ ويقع الكلام في انّ دلالته عليه وضعية أم لا؟
أقول : انّ بعض المفاهيم له مصاديق حقيقية متأصلة غير قابلة للجعل التشريعي ، ومصاديق اخرى اعتبارية مجعولة تشريعا كـ ( بعث ) مثلا فانّ له مصداقا في النفس يكون من الصفات النفسانية يسمى بالارادة ، ومصداقا آخر في الخارج وهو قد يكون فعلا تكوينيا للطالب كتحريك المولى للعبد خارجا نحو الفعل المطلوب ، وقد يكون بعثا انشائيا اختراعيا في عالم اللفظ كما في قولك : « اضرب » اذا استعمل بقصد تحقق البعث انشاء بأن يجعل اللفظ بهذا القصد بعثا تشريعيا بازاء البعث الخارجي التكويني ؛ ومن المعلوم انّ التحريك الخارجي يدل على الارادة القلبية نوع دلالة اللازم على الملزوم عقلا ، فكذا ما هو بحكمه من البعث الانشائي.
اذا عرفت ذلك فيظهر : انّ دلالة مثل « أطلب إخبارا » يكشف عن الارادة النفسانية بلا واسطة وانّ دلالة مثل قولك : « اضرب » عليه انما هو بتوسط دلالته على ايجاد البعث انشاء خارجا فيكون دلالة عقلية لا وضعية ، فبهذا الاعتبار قد قيل انّ الانشاء يفيد فائدة الاخبار عن الارادة القلبية بل يكون أبلغ ، لدلالته على كون الارادة النفسانية بنحو يبعث المولى العبد نحو الفعل فيصير كأنّه معدّ ، دون مجرد الاخبار فانّه ليس بهذه المثابة كما لا يخفى.
ثم انّه مع ذلك يكون المفهوم الجامع بين المخبر به والمنشأ هو طبيعة البعث والارادة المتحققة حقيقة في القلب تارة ، واعتبارا في عالم الانشاء اللفظي