ثمّ إن مقتضى ظاهر أغلب هذه الأخبار اختصاص المنع بما إذا لم يتمكّن من وضع الجبهة على الأرض ، فيمكن حينئذ إبقاء النهي الوارد فيها على ظاهرها من الحرمة بحملها على ما إذا لم يتمكّن من وضعها على الأرض مستقرّة بحيث يتحقّق به أقل ما يجزىء في السجود ، كما يؤيّد ذلك ما في بعضها من التعبير بلفظ الحرمة (١).
ولكنّه في غاية البعد ، بل ينبغي الجزم بخلافه ؛ إذ لا تكاد توجد أرض لا يتمكّن المصلّي من أن يضع جبهته عليها على وجه يحصل به مسمّى الوضع المعتبر في السجود ولو بتعديل موضع سجوده قبل أن يسجد عليها ، فكيف يجوز حينئذ إطلاق المنع عنها في بعض تلك الأخبار وتعليلها في الأخبار بهذه العلّة الغير المطّردة بل نادرة التحقّق إن أريد بها ما ذكر من عدم التمكّن من وضعها على وجه يتحقّق معه صدق مسمّى الوضع!؟ بل كيف يكون هذا منشأ لتأخير الإمام عليهالسلام صلاته من أوّل الوقت حتى يخرج من تلك الأرض لأجل هذه العلّة التي علاجها من أسهل الأمور!؟ فالمقصود بالتعليل الواقع في الأخبار ـ بحسب الظاهر ـ بيان حكمة الحكم ، الموجبة رفعها لخفّة الكراهة أو رفعها ، وهي عدم استواء الأرض وخشونتها المانعة عن التمكّن التامّ من وضع جبهته على حسب إرادته على الوجه الكامل ، لا من مطلقه الذي يتوقّف عليه اسم السجود.
والذي يقتضيه التدبّر في الأخبار ويعضده إطلاق كلمات علمائنا الأبرار :أنّ الصلاة في أرض السبخة مكروهة مطلقا ، ولكن تخفّ كراهتها عند اعتدالها أو
__________________
(١) كما في خبر داود بن الحصين بن السري ، المتقدّم في ص ١٠٨.