ما بين القبور ، فليتأمّل.
وكيف كان فتقييد هذه الأخبار بالموثّقة في غاية البعد ، خصوصا صحيحة زرارة ؛ فإنّها بواسطة ما فيها من التعليل والتعبير بما بين خللها مع النهي من أن يتّخذ شيئا منها قبلة كالنصّ في إرادة الإطلاق بالنسبة إلى ما عدا مورد العلّة ، أي فيما إذا لم يصلّ على القبر ولم يتّخذ شيئا منها قبلة.
مع أنّ تخصيص نفي البأس في الصحيحتين الأخيرتين بما إذا لم يتّخذ شيئا من القبور قبلة مانع عن تقييدهما بالموثّقة ؛ لأنّ الموثّقة صريحة في جواز الصلاة إلى القبور إذا كان الفصل بينه وبينها عشرة أذرع ، فإن أريد بالصحيحتين المنع عنه مطلقا ، لتحقّقت المناقضة بينهما وبين الموثّقة ، وإن أريد بهما المنع فيما دون هذا المقدار ، لدلّتا على الجواز بالنسبة إلى سائر الأطراف ؛ لما فيهما من التفصيل القاطع للشركة ، فلا يمكن الجمع بينهما وبين الموثّقة إلّا بحمل الموثّقة على الكراهة.
اللهمّ إلّا أن يحمل قوله عليهالسلام : «ما لم يتّخذ القبر قبلة» على إرادة التوجّه إلى القبر والمعاملة معه معاملة القبلة ، كما قد يصدر ذلك من بعض الجهّال بالنسبة إلى قبور الأئمّة عليهمالسلام فيكون حال الصحيحتين الأخيرتين حينئذ حال الأوليين في الدلالة على نفي البأس عن الصلاة بين القبور مطلقا ، بل أقوى منهما دلالة على الإطلاق ؛ لما فيهما من الاستثناء الذي هو أمارة العموم ، فتقييدهما بالموثّقة أبعد من الأوليين.
فتلخّص ممّا ذكر أنّه لا يمكن ارتكاب التأويل في هذه الأخبار الصحيحة ، وتقييدها بالموثّقة ، بل المتعيّن صرف الموثّقة عن ظاهرها ، وحملها على الكراهة ،