وبما أشرنا إليه من عدم التنافي بين هذه الأخبار وبين ما دلّ على استحبابه مطلقا ظهر ما في كلام غير واحد ممّن التزم بحرمته مع الجمع ؛ لأصالة عدم المشروعيّة ، زاعما أنّ هذه الأخبار مقيّدة لإطلاقات تلك الأدلّة ، فهي مخصوصة بصورة التفريق ، ففعله مع الجمع تشريع محرّم.
وربما أيّد بعضهم (١) ذلك باستقرار سيرة النبي والأئمّة عليهمالسلام على ترك الأذان في الموارد التي صدر منهم الجمع ، أو أمروا فيها بالجمع.
وفيه ـ مع انتقاضه بترك التطوّع في تلك الموارد المعلوم استحبابه ـ ما لا يخفى ؛ فإنّهم لم يكونوا يأمرون بالجمع إلّا في الموارد التي يناسبها التوسعة والتسهيل ، وكذا لم يكن يصدر منهم الجمع إلّا أحيانا لبعض الأمور المقتضية له من الاستعجال أو بيان الرخصة أو غير ذلك ممّا يناسبه الاكتفاء بأذان واحد للفرضين.
نعم ، قد يقال بأنّ مواظبتهم على ترك أذان العصر يوم الجمعة مع استقرار السيرة على جمعها مع الجمعة أو الظهر تكشف عن مرجوحيّته في يوم الجمعة ، وإلّا لما استقرّت سيرتهم عليهمالسلام على الترك.
ويمكن دفعه ـ بعد تسليم الصغرى ـ بأنّ من الجائز أن يكون ذلك لأفضليّة المبادرة إلى الخروج عن عهدة الواجب أو الاستعجال فيه رعاية لحال ضعفاء المأمومين ، أو غير ذلك من العناوين الراجحة الحاصلة بالترك من فعل الأذان المسبوق بأذان يجوز الاكتفاء به ، فيكون فعله مرجوحا بالإضافة إلى تركه المجامع مع فعل الصلاة ، لا مطلقا كي ينافي مشروعيّته ووقوعه عبادة ، نظير التطوّع في
__________________
(١) لم نتحقّقه.