أقول : هذا من أجمل وجوه الجمع ، ومقتضاه كون الاختلافات الواقعة فيها منزّلة على اختلاف مراتب الاستحباب ، ولكن قد يشكل الالتزام به بالنسبة إلى الصحيحة الأخيرة الدالّة على جواز الرجوع مطلقا بعد إعراض المشهور عن ظاهرها ومخالفته لظواهر مجموع الأخبار المتقدّمة وغيرها ، كما أشار إليه المصنّف قدس سرّه في محكيّ المعتبر حيث قال ـ تعريضا على ما ذكره الشيخ من حمل الصحيحة على الاستحباب (١) ـ مالفظه : وما ذكره محتمل لكن فيه تهجّم على إبطال الفريضة بالخبر النادر (٢). انتهى.
وكيف كان فالأولى ردّ علم هذه الصحيحة إلى أهله بعد وضوح عدم كون ما تضمّنته من الأمر بالإعادة إلزاميّا ، ومخالفته للاحتياط ، فيتعيّن بعد رفع اليد عن هذه الصحيحة الأخذ بظاهر صحيحة الحلبي ، الآمرة بالانصراف ما لم يركع والمضيّ في الصلاة بعد أن ركع ، كما ذهب إليه المشهور.
ولا يعارضها الأخبار المفصّلة بين ما قبل القراءة وما بعدها ؛ لما أشرنا إليه من أنّ مقتضى القاعدة الجمع بينها بحمل الأمر بالمضيّ بعد القراءة على الرخصة الناشئة من عدم كون الاهتمام في تدارك ما فات بعد القراءة كالاهتمام به قبلها.
والحاصل : أنّه لا يصلح شيء من الأخبار المزبورة لمعارضة صحيحة الحلبي من حيث الدلالة فضلا عن سندها المعتضد بالشهرة عدا الصحيحة الأخيرة التي دلالتها على الجواز مطلقا أقوى من دلالة صحيحة الحلبي على المنع
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٢٧٩ ، ذيل ح ١١١٠.
(٢) المعتبر ٢ : ١٣٠ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٧٤.