ويشهد له أيضا لفظ الإجزاء في الصحيحة الثانية. وصرفه عن ظاهره الذي هو الوجوب إلى الفضيلة بقرينة صدر الرواية ليس بأولى من صرف الصدر عن ظاهره إلى ظاهر الإجزاء ، بحمل الشهادتين فيه على ما يشمل السلام ، فإنّ إطلاق التشهّد على ما يشمله شائع ووارد في الأخبار ، مع أنه لا بدّ منه بالإضافة إلى الصلاة على النبي وآله ، وعلى هذا فهذه الروايات بالدلالة على الوجوب أولى.
هذا ، مع أنّ الصحيحة الثالثة نسخها مختلفة ، ففي موضع من التهذيب كما ذكر ، وفي آخر منه وفي الفقيه بدل يتشهّد يسلّم (١) ، ويعضد هذه النسخة ـ مضافا إلى التعدد وأضبطيّة الفقيه ـ الموافقة لصحيحين آخرين مرويين فيهما : عن رجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد قال : « يسلّم ويمضي لحاجته إن أحبّ » (٢) هذا ، مع أوفقيتها بالسؤال في صدر الصحيحة فتدبّر تجده.
وعلى الصحيحة الرابعة أنّ الذي يقتضيه التدبّر فيها أنّ المقام فيها ليس مقام ذكر واجبات الصلاة ، ولذا لم يذكر منها سوى قليل منها ، بل المقام فيها مقام بيان بعض ما يستحب فيها ، ولذا ذكر فيه الجحد والتوحيد ، مع أنّ عدم ذكر التسليم فيها كما ينفي وجوبه كذا ينفي استحبابه ، والخصم لا يقول به.
ولئن تنزّلنا عن جميع ذلك نقول : إنها معارضة بالنصوص المستفيضة القريبة من التواتر بل المتواترة ، الآمرة بالتسليم (٣) ، وهي بالنسبة إليها أوضح دلالة ، وإن ضعف دلالتها في نفسها من حيث استعمال الأمر في الندب كثيرا ،
__________________
(١) انظر التهذيب ٣ : ٢٨٣ / ٨٤٢ ، الفقيه ١ : ٢٦١ / ١١٩١.
(٢) الأول : الفقيه ١ : ٢٥٧ / ١١٦٣ ، الوسائل ٨ : ٤١٣ أبواب صلاة الجماعة بـ ٦٤ ذيل الحديث ٣.
الثاني : التهذيب ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٩ ، ٣٤٩ / ١٤٤٥ ، الوسائل ٦ : ٤١٦ أبواب التسليم بـ ١ ح ٦.
(٣) الوسائل ٦ : ٤١٥ أبواب التسليم بـ ١.