فتقديم وجوب السفر على وجوب الجمعة يحتاج الى دليل.
(الخامسة) قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يكره السفر يوم الجمعة بعد طلوع الفجر ، والظاهر انه مجمع عليه بينهم بل وأكثر العامة على ذلك أيضا (١) كما نقل عن التذكرة ، وذكر فيها انه لا يكره ليلة الجمعة إجماعا.
ويدل عليه مضافا الى الاتفاق المذكور ما قدمنا نقله (٢) من خبر السري المنقول في الفقيه والخصال عن الهادي عليهالسلام قال : «يكره السفر والسعى في الحوائج يوم الجمعة بكرة من أجل الصلاة فاما بعد الصلاة فجائز يتبرك به». مع احتمال حمل الكراهة فيه على التحريم كما قدمنا ذكره.
ولم أقف على من استدل على الحكم المذكور بهذا الخبر وانما استندوا فيه الى إطلاق الخبر النبوي الذي قدمنا نقله عن التذكرة (٣) ونبهنا على ان الظاهر انه عامي وهو قوله (صلىاللهعليهوآله): «من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة. إلخ». مع ان هذا الخبر الذي ذكرناه أوضح دلالة وسندا.
واحتمل المحدث الكاشاني في المفاتيح التحريم في هذا المقام وهو ظاهر إطلاق ما قدمناه من رواية مصباح الكفعمي عن الرضا (عليهالسلام) وخبر الحارث الهمداني (٤) واحتمال حمل الكراهة على التحريم في الخبر المتقدم ، وتعضده الرواية التي قدمنا نقلها عن رسالة شيخنا الشهيد الثاني وان كان الظاهر انها من طرق العامة. وعلل الحكم المذكور في المفاتيح قال : لأنه مأمور بالسعي إلى الجمعة من فرسخين فكيف يسعى عنها. وبذلك يظهر ان ما احتمله (طاب ثراه) قريب لا استبعاد فيه إلا من حيث مخالفة
__________________
(١) في شرح الزرقانى على مختصر ابى الضياء في فقه مالك ج ٢ ص ٦٤ «يكره السفر يومها لمن تلزمه بعد الفجر وجاز قبله وحرم بالزوال قبل النداء» ونقل الشوكانى في نيل الأوطار ج ٣ ص ١٩٥ عن مالك واحمد والشافعي في القديم والأوزاعي جواز السفر من طلوع الفجر الى الزوال ، وحكاه ابن قدامة عن أكثر أهل العلم.
(٢ و ٤) ص ١٦٣.
(٣) ص ١٦١.