المتقدمة الدالة على التحريم شاهدا. والله العالم.
الثالث ـ لو كان أحد المتعاقدين ممن لا يجب عليه السعي ففي التحريم عليه خلاف فذهب جمع من المتأخرين إلى التحريم وآخرون الى الجواز بالنسبة اليه وان حرم بالنسبة إلى الآخر ، والى الثاني ذهب المحقق وفاقا للشيخ حيث انه كرهه.
حجة الأولين أنه معاونة على الحرام وقد نهى سبحانه عنها بقوله : «وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ» (١).
وقال في الذكرى : لو كان أحد المتبايعين ممن لا يخاطب بالسعي كان سائغا بالنظر اليه حراما بالنظر الى من يجب عليه السعى ، وقال الشيخ : يكره للأول لأنه اعانة على الفعل المحرم. وقال الفاضل التعليل يقتضي التحريم لقوله تعالى «وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ» (٢) ثم قوى التحريم عليه ايضا وهو قوى. انتهى.
أقول : والكلام في هذه المسألة كما في سابقتها فإنها عارية عن النص والاحتياط فيها مطلوب لما عرفت.
الرابع ـ لو أوقع البيع في الحال المنهي عنه فهل ينعقد البيع وان أثم أو يبطل؟ قولان مبنيان على ان النهى في غير العبادات هل يقتضي الفساد أم لا؟ فذهب العلامة وجملة من الأصحاب ـ والظاهر انه المشهور بين المتأخرين ـ إلى انعقاده بناء على ما تقرر عندهم في الأصول من أن النهى في غير العبادات لا يقتضي الفساد ونقله الشيخ عن بعض الأصحاب ، وذهب جمع من الأصحاب : منهم ـ الشيخ في المبسوط والخلاف وابن الجنيد الى عدم الانعقاد بناء على ان النهى مفسد مطلقا.
أقول : والتحقيق عندي في هذا المقام كما أودعناه في جملة من زبرنا سابقا على هذا الكتاب هو أن يقال لا يخفى ان القاعدة التي بنوا عليها الكلام في المقام من ان النهى في غير العبادات لا يقتضي الفساد وان اشتهرت وتكررت في كلامهم وتداولتها رؤوس أقلامهم إلا انا نرى كثيرا من عقود المعاملات قد حكموا ببطلانها
__________________
(١ و ٢) سورة المائدة الآية ٣.