ساكن ، وجعل ذلك عبرة لمن اعتبر ، وهذا يدل على أن تفسير «على» ب «مع» أولى ، لأن التقدير: وهي خاوية مع عروشها (١). قيل : إنّ البئر المعطلة والقصر المشيد باليمن ، أما القصر على قلّة٠(٢) جبل والبئر في سفحه (٣) ، ولكل واحد منهما قوم في نعمة فكفروا فأهلكهم الله ، وبقي البئر والقصر خاليين (٤). وروى أبو روق عن الضحاك : أن هذه البئر بحضر موت في بلدة يقال لها حاضوراء وذلك أن صالحا مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به أتوا حضرموت ، فلما نزلوها مات صالح فسميت بذلك لأن صالحا حين حضرها مات ، فبنوا قوم صالح حاضوراء ، وقعدوا على هذه البئر ، وأمروا عليهم جلهس بن (٥) جلاس ، وجعلوا وزيره سنحاريب ، فأقاموا بها زمانا ثم كفروا وعبدوا صنما ، فأرسل الله إليهم حنظلة بن صفوان ، وكان حمّالا فيهم ، فقتلوه في السوق ، فأهلكهم الله وعطّل بئرهم وخرب قصورهم(٦).
قال الإمام أبو القاسم الأنصاري : وهذا عجيب ، لأني زرت قبر صالح بالشام في بلدة يقال لها(٧): عكا ، فكيف يقال : إنه بحضر موت (٨).
قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) الآية. يعني كفار مكة أفلم يسيروا في الأرض فينظروا إلى مصارع المكذبين من الأمم الخالية ، فذكر ما يتكامل به الاعتبار ، لأن الرؤية لها حظّ عظيم في الاعتبار ، وكذلك سماع الأخبار ولكن لا يكمل هذان الأمران إلا بتدبير القلب ، لأن من عاين وسمع ولم يتدبر ولم يعتبر لم ينتفع ، فلهذا قال : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(٩).
قوله : «فتكون» منصوب على جواب الاستفهام (١٠) ، وعبارة الحوفي على جواب التقرير(١١). وقيل : على جواب النفي (١٢) وقرأ مبشر بن عبيد (١٣) : «فيكون» بالياء (١٤) من
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤٥.
(٢) قلة كل شيء : رأسه. والقلّة : أعلى الجبل. وقلّة كلّ شيء أعلاه. اللسان (قلل).
(٣) السّفح : عرض الجبل حيث يسفح فيه الماء ، وهو عرضه المضطجع ، وقيل : أسفل الجبل. وقيل : هو الحضيض الأسفل ، والجمع سفوح. اللسان (سفح).
(٤) انظر البغوي ٥ / ٥٩٦.
(٥) في ب : حلبس ابن.
(٦) انظر البغوي ٥ / ٥٩٦ ـ ٥٩٧ ، والفخر الرازي ٢٣ / ٤٥.
(٧) لها : سقط من الأصل.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤٥.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤٥ ـ ٤٦.
(١٠) قاله ابن عطية. تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٩٨.
(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٧٧.
(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٧٧.
(١٣) مبشر بن عبيد القرشي الحمصي ، كوفي الأصل ، روى عن زيد بن أسلم ، وقتادة ، وأبي الزبير ، والزهري ، وغيرهم ، روى عنه محمد بن شعيب والخليل بن مرة ، وغيرهما. تهذيب التهذيب ١٠ / ٣٢ ـ ٣٣.
(١٤) المختصر (٩٦) ، البحر المحيط ٦ / ٣٧٧.