واخضرار النبات على الأرض مرئي ، فحمل الكلام على حقيقته أولى.
والثاني : المراد ألم تخبر على سبيل الاستفهام.
الثالث : المراد ألم تعلم (١).
قال ابن الخطيب : والأول ضعيف ، لأن الماء وإن كان مرئيا إلا أن كون الله منزلا له من السماء غير مرئي ، وإذا ثبت هذا وجب حمله على العلم ، لأن المقصود من تلك الرؤية هو العلم ، لأن الرؤية إذا لم يقترن بها العلم كانت كأنها لم تحصل (٢).
قوله : «فتصبح» فيه قولان :
أحدهما : أنه مضارع لفظا ماض معنى تقديره : فأصبحت ، قاله أبو البقاء (٣) ، ثم قال بعد أن عطفه على «أنزل» : فلا موضع له إذا (٣). وهو كلام ضعيف ، لأن عطفه على «أنزل» يقتضي أن يكون له محل من الإعراب وهو الرفع خبرا ل «أن». لكنه لا يجوز لعدم الربط.
الثاني : أنه على بابه ، ورفعه على الاستئناف. قال أبو البقاء : فهي ، أي : القصة ، و (تصبح) الخبر (٤). قال شهاب الدين : ولا حاجة إلى تقدير مبتدأ ، بل هذه جملة فعلية مستأنفة لا سيما وقدّر(٥) المبتدأ ضمير القصة ثم حذفه ، وهو لا يجوز ، لأنه لا يؤتى بضمير القصة إلا للتأكيد والتعظيم والحذف ينافيه (٦). قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل : فأصبحت ، ولم صرف إلى لفظ المضارع. قلت : لنكتة (٧) فيه ، وهي إفادة بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان كما تقول : أنعم عليّ فلان عام كذا ، فأروح وأغدو (٨) شاكرا له ، ولو قلت : فرحت (٩) وغدوت لم يقع ذلك الموقع. فإن قلت : فما له رفع ولم ينصب جوابا بالاستفهام. قلت : لو نصب لأعطى عكس الغرض ، لأن معناه إثبات الاخضرار ، فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار ، مثاله أن تقول لصاحبك : ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر. إن نصبته فأنت ناف لشكره شاك تفريطه ، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر ، وهذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من اتسم بالعلم في علم الإعراب وتوقير أهله (١٠). وقال ابن عطية : قوله : «فتصبح» بمنزلة قوله : فتضحى أو تصير ، عبارة عن استعجالها أثر نزول الماء واستمرارها كذلك عادة ، ووقع (١١) قوله : «فتصبح» من حيث
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٢ ـ ٦٣.
(٢) الفخر الرازي ٢٣ / ٦٣.
(٣) التبيان ٢ / ٩٤٧.
(٤) المرجع السابق.
(٥) في ب : قدر.
(٦) الدر المصون.
(٧) في الأصل : لكنه. وهو تحريف.
(٨) في ب : فأغدو وأروح.
(٩) في الأصل : رحت.
(١٠) الكشاف ٣ / ٣٨ ـ ٣٩.
(١١) في النسختين : ورفع. والصواب ما أثبته.