الآية خبر ، والفاء عاطفة وليست بجواب ، لأن كونها جوابا (١) لقوله : (أَلَمْ تَرَ) فاسد المعنى (٢). قال أبو حيان : ولم يبين هو ولا الزمخشري قبله كيف يكون النصب نافيا للاخضرار ، ولا (٣) كون المعنى فاسدا. قال سيبويه : وسألته ـ يعني الخليل ـ عن (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) فقال : هذا واجب وتنبيه ، كأنك قلت : أتسمع أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا (٤).
قال ابن خروف : وقوله : هذا واجب. وقوله : فكان كذا. يريد أنهما ماضيان وفسر الكلام ب «أتسمع». (ليريك أنه لا يتصل بالاستفهام) (٥) لضعف حكم الاستفهام فيه (٦).
وقال بعض شراح الكتاب : «فتصبح» لا يمكن نصبة ، لأن الكلام واجب ، ألا ترى أن المعنى أن الله أنزل فالأرض هذه حالها (٧). وقال الفراء : «الم تر» خبر ، كما تقول في الكلام : اعلم أن الله يفعل كذا فيكون كذا (٨). ويقول (٩) : إنما امتنع النصب جوابا للاستفهام هنا ، لأن النفي إذا دخل عليه الاستفهام ، وإن كان يقتضي تقريرا في بعض الكلام ، هو معامل معاملة النفي المحض في الجواب ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(١٠) وكذلك الجواب بالفاء إذا أجبت النفي كان على معنيين في كل منهما ينتفي الجواب. فإذا قلت : ما تأتينا فتحدثنا. بالنصب ، فالمعنى ما تأتينا محدثا ، وإنما تأتينا ولا تحدّث ، ويجوز أن يكون المعنى أنك لا تأتي فكيف تحدث ، فالحديث منتف في الحالتين(١١) ، والتقرير بأداة الاستفهام كالنفي المحض في الجواب يثبت ما دخلته الهمزة وينفي الجواب (١٢) ، فيلزم من هذا التقدير إثبات الرؤية وانتفاء الاخضرار ، وهو خلاف المقصود.
__________________
(١) في ب : لأنها جوابا. وهو تحريف.
(٢) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣١٣ ـ ٣١٤.
(٣) في النسختين : إلا.
(٤) أي : أن هذا الكلام عند سيبويه والخليل خبر ، وليست الفاء بجواب لقوله «أَلَمْ تَرَ» وإنما خالف الواجب النفي لأنك تنقض النفي إذا نصبت وتغير المعنى. الكتاب ٣ / ٤٠.
(٥) ما بين القوسين مكرر في ب.
(٦) لأن الاستفهام تقريري. البحر المحيط ٦ / ٣٧٦.
(٧) البحر المحيط ٦ / ٣٨٦.
(٨) النص بلفظه من البحر المحيط ، وبتصرف من معاني القرآن ، وهو فيه (وقوله : فتصبح الأرض مخضرة ، رفعت فتصبح لأن المعنى في «أَلَمْ تَرَ» معناه خبر كأنك قلت : اعلم أن الله ينزل من السماء ماء فتصبح الأرض) ٢ / ٢٢٩.
(٩) في الأصل : فيقول.
(١٠) [الأعراف : ١٧٢].
(١١) انظر شرح المفصل ٧ / ٢٧ ـ ٢٨.
(١٢) في ب : الجزم. وهو تحريف. وانظر شرح التصريح ٢ / ٣٣٩ ـ ٢٤٠.