أن يكون خطابا مع الغير ثم قال : (إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ) أي : كله في كتاب يعني اللوح المحفوظ (١).
وقال أبو مسلم : معنى الكتاب الحفظ (٢) والضّبط والشّد (٣) ، يقال : كتبت المزادة (٤) أكتبها إذا خرزتها ، فحفظت بذلك ما فيها ، ومعنى الكتاب بين الناس حفظ ما يتعاملون به ، فالمراد بالآية أنه محفوظ عنده. وأيضا فالقول الأول يوهم أن علمه مستفاد من الكتاب.
وأجيب بأن هذا القول وإن كان صحيحا نظرا إلى الاشتقاق لكن حمل اللفظ على المتعارف أولى ، ومعلوم أن الكتاب هو (٥) ما كتب فيه الأمور (٦).
فإن قيل : أي فائدة في ذلك الكتاب إذا كان محفوظا؟
فالجواب أن كتبه تلك الأشياء في ذلك الكتاب مع كونها مطابقة للموجودات دليل على أنه تعالى غني في علمه عن ذلك الكتاب. وفائدة أن الملائكة ينظرون فيه ، ثم يرون الحوادث داخلة في الوجود على وفقه فيصير ذلك دليلا لهم زائدا على كونه تعالى عالما بكل المعلومات (٧) وقوله : (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أي العلم بجميع ذلك على الله يسير. والمعنى : إن ذلك مما يتعذر على الخلق لكنه متى أراده الله تعالى كان ، فعبر عن ذلك بأنه يسير ، وإن كان هذا الوصف لا يستعمل إلا فينا من حيث تسهل وتصعب علينا الأمور ، وتعالى (٨) الله عن ذلك (٩). ثم إنه تعالى بين ما يقدم الكفار عليه مع عظم نعمه ووضوح دلائله فقال :
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) حجة (وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) أي : عن جهل ، وليس لهم به دليل عقلي فهو تقليد وجهل ، والقول الذي هذا شأنه يكون باطلا.
(وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) أي وما للمشركين من نصير مانع يمنعهم من عذاب الله.
قوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) يعني القرآن «بيّنات» لأنه متضمن للدلائل العقلية وبيان الأحكام. وقوله : «تعرف» العامة على «تعرف» خطابا مبنيا للفاعل ، «المنكر» مفعول به. وعيسى بن عمر «يعرف» بالياء من تحت مبنيا للمفعول ، «المنكر» مرفوع قائم مقامل الفاعل (١٠) ، والمنكر اسم مصدر بمعنى الإنكار.
وقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا) من إقامة الظاهر مقام المضمر للشهادة عليهم بذلك ، قال
__________________
(١) وهو قول الجمهور.
(٢) في ب : والحفظ.
(٣) في ب : والسد. وهو تصحيف.
(٤) المزادة : الراوية ، قال أبو عبيد : لا تكون إلا من جلدين تفأم بجلد ثالث بينهما لتتسع. اللسان (زيد).
(٥) هو : سقط من ب.
(٦) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٦٦ ـ ٦٧.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٧.
(٨) في النسختين : ويتعالى.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٧.
(١٠) المختصر (٩٦) ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٨.