الرزاق (١) وقالوا : «وأعطنا ولا تحرمنا وارض عنّا» (٢).
قوله : «قد» هنا للتوقع ، قال الزمخشري : «قد» نقيضة «لمّا» قد تثبت (٣) المتوقع (٤) ولما تنفيه ، ولا شك أنّ المؤمنين كانوا متوقعين لهذه البشارة ، وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم ، فخوطبوا بما دلّ على ثبات (٥) ما توقعوه (٦). وقال البغوي : قد حرف تأكيد. وقال المحققون : قد يقرب الماضي من الحال (٧) يدل على أن الفلاح قد
__________________
(١) هو عبد الرزاق بن همام بن نافع مولى لحمير ، ويكنى أبا بكر ، وكان أبوه همام يروي عن سالم بن عبد الله وغيره ، مات سنة ٢٢١ ه. المعارف ٥١٩.
(٢) مسند الإمام أحمد ١ / ٣٤. آخر ما نقله هنا عن البغوي ٦ / ٣.
(٣) في ب : ثبت.
(٤) «قد» حرف يختص بالفعل المتصرف الخبري المثبت المجرد من جازم وناصب وحرف تنفيس ، وهي معه كالجزء ، فلا تفصل منه بشيء ، إلا بالقسم كقوله :
أخالد قد والله أوطأت عشوة |
|
وما قائل المعروف فينا يعنف |
ومن معانيها التوقع وذلك مع المضارع واضح كقولك : قد يقدم الغائب اليوم ، إذا كنت تتوقع قدومه.
أما مع الماضي فأثبته الأكثرون ، قال الخليل : يقال : قد فعل. لقوم ينتظرون الخبر ، ومنه قول المؤذن : قد قامت الصلاة ، لأن الجماعة منتظرون لذلك وأنكر بعضهم كونها للتوقع مع الماضي ، وقال : التوقع انتظار الوقوع والماضي قد وقع.
وأنكره ابن هشام مطلقا حيث قال : والذي يظهر لي قول ثالث ، وهو أنها لا تفيد التوقع أصلا ، أما في المضارع فلأن قولك : يقدم الغائب ، يفيد التوقع دون (قد) ، إذ الظاهر من حال المخبر عن مستقبل أنه متوقع له. وأما في الماضي فلأنه لو صح إثبات التوقع لها ، بمعنى أنها تدخل على ما هو متوقع ، لصح أن يقال في : لا رجل ، بالفتح : إن «لا» للاستفهام لأنها لا تدخل إلا جوابا لمن قال : هل من رجل ، ونحوه فالذي بعد (لا) مستفهم عنه من جهة شخص آخر ، كما أن الماضي بعد «قد» متوقع كذلك ، وعبارة ابن مالك في ذلك حسنة فإنه قال : إنها تدخل على ماض متوقع ، ولم يقل إنها تفيد التوقع ، ولم يتعرض للتوقع في الداخلة على المضارع البتة.
انظر المغني ١ / ١٧١ ـ ١٧٢ ، الهمع ٢ / ٧٢ ـ ٧٣.
(٥) في الأصل : إثبات.
(٦) الكشاف ٣ / ٤٢.
(٧) أي : أن «قد» يكون لتقريب الماضي من الحال تقول : قام زيد ، فيحتمل الماضي القريب والماضي البعيد فإذا قلت : قد قام. اختص بالقريب.
وانبنى على إفادتها ذلك أحكام :
أ ـ أنها لا تدخل على ليس ، وعسى ، ونعم ، وبئس ، لأنهن للحال ، فلا معنى لذكر ما يقرب ما هو حاصل.
ب ـ وجوب دخول «قد» عند البصريين إلا الأخفش على الماضي الواقع حالا إما ظاهرة نحو : (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) [البقرة : ٢٤٦] ، أو مقدرة نحو (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) [يوسف : ٦٥]. وخالفهم الكوفيون والأخفش ، فقالوا : لا تحتاج لذلك ، لكثرة وقوعها حالا بدون «قد» ، والأصل عدم التقدير ، لا سيما فيما كثر استعماله.
ج ـ هذا الحكم ذكره ابن عصفور ، وهو أن القسم إذا أجيب بماض متصرف مثبت فإن كان قريبا من الحال جيء باللام وقد جميعا نحو (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) [يوسف : ٩١] ، وإن كان بعيدا جيء باللام وحدها كقوله : ـ