قوله : (وَفارَ التَّنُّورُ) تقدم الكلام في التنور في سورة هود (١). (فَاسْلُكْ فِيها) أي : ادخل فيها. يقال : سلك فيه دخله ، وسلك غيره وأسلكه (٢)(مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أي : من كل زوجين من الحيوان (الذي يحضره في الوقت اثنين الذكر والأنثى لكيلا ينقطع نسل ذلك الحيوان) (٣) وكل واحد منهما زوج ، لا كما تقوله العامة : إنّ الزوج هو الاثنان (٤). روي أنه لم يحمل إلّا ما يلد ويبيض (٥). وقرىء : «من كلّ» بالتنوين و «اثنين» تأكيد وزيادة بيان (٦) «وأهلك» أي : وأدخل أهلك (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) ولفظ (على) إنما يستعمل في (٧) المضارّ قال تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ)(٨)(٩). وهذه الآية تدل على أمرين :
__________________
(١) عند قوله تعالى : «حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ» [هود : ٤٠].
وذكر ابن عادل هناك : والتنور قيل وزنه (تفعول) ، فقلبت الواو الأولى همزة لانضمامها ، ثم حذفت تخفيفا ، ثم شددت النون للعوض عن المحذوف ويعزى هذا لثعلب. وقيل وزنه (فعول) ويعزى لأبي علي الفارسي.
وقيل : هو أعجمي وعلى هذا فلا اشتقاق له ، والمشهور أنه مما اتفق فيه لغة العرب والعجم كالصابون.
انظر اللباب ٤ / ٣٤٥.
(٢) في اللسان (سلك) : سلك المكان يسلكه سلكا وسلوكا ، وسلكه غيره ، وفيه ، وأسلكه إيّاه ، وفيه ، وعليه. قال عبد مناف بن ربع الهذلي:
حتّى إذا أسلكوهم في قتائدة |
|
شلّا كما تطرد الجمّالة الشّردا |
وقال ساعدة بن العجلاني :
وهم منعوا الطريق وأسلكوهم |
|
على شمّاء مهواها بعيد |
(٣) ما بين القوسين سقط من ب.
(٤) الزوج : خلاف الفرد ، ويقال : زوج وفرد ، فالزّوج الفرد الذي له قرين. قال أبو بكر : العامة تخطىء فتظنّ أن الزوج اثنان ، وليس ذلك من مذاهب العرب ، إذ كانوا لا يتكلمون بالزوج موحدا في مثل قولهم : زوج حمام ، ولكنهم يثنونه فيقولون : عندي زوجان من الحمام يعنون ذكرا وأنثى. اللسان (زوج).
(٥) الفخر الرازي ٢٣ / ٩٥.
(٦) والقراءة بالتنوين قراءة حفص عن عاصم. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بلا تنوين. فمن نون عدّى الفعل ، وهو «اسلك» إلى «زوجين» فنصبهما بالفعل وجعل «اثنين» نعتا ل «زوجين» وفيه معنى التأكيد ، و «من» على هذا يجوز أن تتعلق ب «اسلك» ، وأن تكون حالا ، والتقدير : اسلك فيها زوجين اثنين من كل شيء أو صنف ، ثم حذف ما أضيف إليه «كل» فنوّن. ومن أضاف عدّى الفعل إلى «اثنين» ، وخفض «زوجين» لإضافة «كل» إليهما والتقدير : اسلك فيها اثنين من كل زوجين أي : من كل صنفين. ف «من» على هذا حال ، لأنها صفة للنكرة قدمت عليها ويجوز أن تكون «من» زائدة ، والمفعول «كل» و «اثنين» توكيد ، وهذا على قول الأخفش. السبعة (٤٤٥) ، الكشف ١ / ٥٢٨ ، الحجة لابن خالويه (١٨٦) ، التبيان ٢ / ٦٩٧ ـ ٦٩٨.
(٧) في : سقط من ب.
(٨) [البقرة : ٢٨٦].
(٩) الكشاف ٣ / ٤٦ ، الفخر الرازي ٢٣ / ٩٥.